الصباح اليمني_قراءات|
تتجه المملكة السعودية التي عُرفت على الدوام بانغلاقها الديني، والسمعة السلبية من حيث الحقوق الحريات، للتلخص من الثوب الديني المحافظ الذي يعتبر جزءا من هويتها.
بدأت حملة التحرر هذه -الديني والاجتماعي- بعد تنصيب الامير الشاب محمد بن سلمان وليا للعهد، الذي اخذ على عاتقه بشكل رسمي مسؤولية التحرر والذي اعلن عن بذلك في اكثر مناسبة ابرزها تصريحه خلال مشاركته في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي استضافته الرياض في اكتوبر ٢٠١٧، بانه سيقود بلاده إلى “الاعتدال والانفتاح على العالم وتدمير الأفكار المدمرة”.
القرارات التي اصدرها الامير الشاب في مجتمع ديني محافظ، لازالت مستمرة مع استمرار الجدل والذهول الذي تخلفه، حيث بعد اعلانه جملة قرارات من السماح بافتتاح المسرح والسينما والموافقة على قيادة المرأة للسيارة ووضع قانون للتحرش مرورا بتخصيص ميزانية بلغت ٦٤ مليار دولار في قطاع الترفيه والسياحة.
محاولات حثيثة يذهب بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نحو “علمنة المملكة” خلافاً لما كان عليه آباؤه وأجداده لعقود طويلة من الزمن، وخلال قرن كامل لم يجرأ أحد من آل سعود على المساس بالمؤسسة الدينية التي وقّعت تعهداً مع العائلة الحاكمة حالياً، بحيث يحمي بعضهما الآخر واليوم يريد ابن سلمان الانقضاض على هذا التعهد وتفتيته عبر “إعدام” رموزه ليكونوا عبرةً لكل من تسوّل له نفسه الاقتراب من برنامج ولي العهد “العلماني“.
السعودية تحديدا من اكثر اي الدول الخليجية، تحكمها المعايير القبليية اكثر المعايير من الدينية، التدين الحاصل في السعودية، هو دين ذو صبغة قبلية، فهناك اشبه بالملائمة الحاصلة بين الدين والقبيلة، او الاصح حالة التغاضي المبتادلة، فالمواطن السعودي قبلي قبل ان يكون مسلما او كلا الامرين معا (اقول هذا من حيث الوصف الاجتماعي وقراءة السلوك لا الاساءة قط) والملائمة هذه ليس هنا فقط، فهي من الملائمة الام بين الحكم ورجل الدين، كتحالف محمد بن عبدالوهاب باعتباريته الدينية، ومحمد بن سعود حاكم الدرعية، وما عقب ذلك من تطورا الى هذه الفترة.
والملاحظ ان المجتمع احيان اكثر تمسك بالاعراف والتقاليد العشائرية والقبلية من التمسك بالتعاليم الدينية التي يؤمن بها، اي ان حالات الانفتاح بشكل او باخر ستكون لها رد فعل واضحة، وقد تكون ردة الفعل هذه متناقضة تارة مع هذا الانفتاح وتارة بالضد، فالتعامل مع شخصية قبلية بدوية، امر ليس بالسهولة التي يمكن ان نتصورها وعلى مختلف الابعاد معقد للغاية.
علمانية ابن سلمان
لا نعلم كيف يمكن لولي العهد أن يأخذ البلاد نحو الانفتاح وإبعاد تأثير المؤسسة الدينية على القرارات السياسية وفي نفس الوقت يزجّ رموز الحرية والانفتاح والنشطاء الذين أفنوا عمرهم في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ومنح المرأة المزيد من الحريات في السجن؟!.
صحيفة “نيويورك تايمز” ألقت الضوء اليوم على هذه المسألة عبر كاتبها “فيصل ديفجي” أستاذ التاريخ الهندي بجامعة أكسفورد، واعتبرت الصحيفة أن ابن سلمان اتخذ مجموعة الإجراءات الأخيرة المتعلقة بالحريات والتحرر ليتستر خلفها لتمرير قمعه وبطشه بمعارضيه.
واعتبر ديفجي في المقال الذي نشره صباح اليوم، أنه من المحتمل أن مشروع ولي العهد لجعل السعودية دولة مُعرَّفة سياسياً وليست دينياً، سوف يؤدي لهدم الرؤية التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمان بوجود جغرافيا إسلامية، التي كانت دائماً قائمة على الجزيرة العربية التي تشكل مركزها غير السياسي.
وأشار الكاتب إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتخذ خطوات سريعة لجعل بلاده قوة سياسية وعسكرية لأول مرة منذ تأسيسها، فدخل بسبب ذلك في حرب وحشية مع اليمن، وفرض حصاراً على قطر، وتبنَّى مواقف عدوانية متنامية ضد إيران ومنافسين آخرين.
وأضاف: “وسواء نجحت استراتيجية الأمير ابن سلمان أم لا، فإنَّها ستغير مكانة السعودية الدينية في العالم الإسلامي“.
اعتقالات بالجملة
قبل عام من الآن شنت السلطات السعودية، حملة اعتقالات استهدفت علماء ودعاة بارزين من بينهم الداعية سلمان العودة وعوض القرني وغيرهما، وقبل خمسة أيام حاكمت السلطات السعودية الداعية العودة ووجهت له 37 تهمة أبرزها يدور حول الإرهاب، وطالبت النيابة العامة إعدامه “تعزيراً” إلى جانب عدد آخر من المعتقلين معه من الدعاء والعلماء.
ومن جهة أخرى قال نجل الداعية السعودي سلمان العودة، الدكتور عبد الله العودة: إن النيابة طالبت بإعدام كل من الداعية عوض القرني وعلي العمري، وفي تغريدة عبر حسابه الشخصي في “تويتر”، الجمعة 7 أيلول، قال عبد الله إن النيابة طالبت أيضاً بسجن بقية الدعاة المعتقلين مدة 25 عاماً على خلفية تهم لها علاقة بـ “الإرهاب” والتحريض ضد الدولة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تداولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب عدد من الصحف العربية والعالمية خبر “منع الداعية السعودي محمد العريفي من الخطابة في المساجد”، وذكر حساب معتقلي الرأي الجمعة أن السلطات السعودية قامت بمنع الداعية محمد العريفي من إلقاء خطب الجمعة ومن المشاركة في كل النشاطات الدعوية.
وفور انتشار الخبر تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الخبر، وعكست هاشتاغات #منع_العريفي_من_الافساد و #منع_العريفي_من_الخطابة تبايناً في الآراء بشأن منع الداعية من الخطابة.
وندد مغردون بمنع العريفي من الخطابة وتساءلوا عن جدوى الاعتقالات والتضييق على رجال الدين في السعودية وعن مستقبل علاقتهم مع السلطة، ويعتبر مغردون ذلك مخالفة لرؤية 2030 وبداية لـ “تأسيس عهد جديد من القمع“.
محاكمة الداعية السوري المنجد
شرعت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية الأحد، بمحاكمة الداعية السوري محمد صالح المنجد لينضم إلى قائمة من بدأت محاكمتهم ضمن ما يعرف بالخلية الاستخباراتية المرتبطة بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في السعودية، وأبرز أعضائها الداعية سلمان العودة وزميله عوض القرني
وقالت وسائل إعلام محلية، اليوم الأحد: إن الحكمة بدأت النظر في قضية متهم سوري الجنسية بمجموعة من التهم وصلت إلى 8 تهم، أبرزها تأييد جماعة الإخوان المسلمين، وقدمت النيابة العامة لائحة الدعوى للمتهم للرد عليها، موضحة أن المتهم الذي لم تذكر اسمه، يعدّ من أوائل مؤسسي المواقع الإلكترونية، علاوة على تقديمه عدداً من البرامج في القنوات الفضائية.
السديس يغازل السلطة
قال ناشطون إن إمام المسجد الحرام، أشار بشكل عرضي إلى محاكمة السلطات السعودية لعدد من الدعاة المعتقلين، وتداول ناشطون جانباً من خطبة الجمعة للسديس في الحرم المكي، قال فيها: “مما يثير الأسى أن نرى أقواماً من أبناء الأمة قذفوا بأنفسهم في مراجل الفتن العمياء، والمعامع الهوجاء، في بُعْدٍ واضح عن الاعتدال والوسطية“.
وتابع السديس: “هذا تفريط وجفاء، وتَنَكُّر واضح لسبيل الحُنَفَاء الأتقياء، وإنّ تنكّر هذه الفئات لمبادئ دينهم ولهفهم وراء شعاراتٍ مصطنعة، ونداءات خادعة، لهو الأرضية المُمَهِّدَة للعدو المتربِّص“.
أمثال السديس مرغوبون جداً ومرحب بهم في عهد الأمير الشاب لا بل يتم تكريمهم وتقديمهم على أنهم النموذج الذي يحتذى به في البلاد وعلى الناس اتباعهم، وهذا يظهر مدى ديكتاتورية ابن سلمان في التعاطي مع رجال الدين وكل من يقف في طريق طموحاته التي لم يتحقق منها أي شيء حتى اللحظة.
سياسيا ليس من صالح الحاكم
لا اخدم للحاكم من ان يكون الشعب مغلقا، ولا اخطر من ان تكون هناك مساحة، خاصة ان كان الحاكم من ذو اصول شرقية، او يحمل جينات دكتاتورية، فالحرية التي يحاول ان يقدمها ستكون يوما حبلا يخنقه، والانفتاح المشنود الذي يسعى اليه ايا كان شكله، سيكون عاملا يهدد مصلحة وجوده.
اقدام محمد بن سلمان على هذا الواقع هو خطرا يلاحقه اكثر من اعتى الاصوليين في السعودية من رجال الدين على صعيد المستقبل، فان تسلم شعب ما اعتاد على الانغلاق وثقافة معينة طيلة عقود طويلة، امر لابد ان ينجم عنه رورد افعال شبه ثورية، فالمحصلة بن سلمان لم يأتي محررا كثائر وقائد اسقط نظاما وحل محله، انما هو رحم من النظام ذاته، كما انه لن يستطيع تخطي الحدود الاسياسية التقليدية لهذه العائلة الحاكمة للمملكة.
فضلا عن الطبيعة التاريخية للحاكم والشعب، بعبارة لايمكن ان تحول مجتمع محافظ ذو طابع ديني وقبلي الى مجتمع ديقراطي في ظل حكم ملكي في وقت واحد، بعيدا عن الاستدلال بالتجربة البريطانية الذي لايسعف هذه الفرضية، وفي اطار الخلفيات لاننسى ان نشير الى حساسية صورة الممكلة السعودية وما تحمل من صور نمطية وتأثيرها سواء من قبل المسلمين عموما، او من قبل السعوديين والمعارضين لهذه الحملة تحديدا من ذو الخلفيات الدينية الاصولية، وغيرها من نقاط اخرى قد لايبالي بها قائد جريء كبن سلمان لكنها مهمة ومؤثرة سواء ادرك ذلك او لم يدرك ذلك.
ففي الإصلاحات الشكلية لبن سلمان هل هناك هدف لم يحققه بعد؟ على أي وجوه سياسية ودينية ومعارضة ستفتح باب سجون بن سلمان بعد الآن؟ هذه الأسئلة والعديد من الأسئلة الأخرى تنتظر الإجابة في الأيام القادمة.
العالم العربي
خليك معنا