الصباح اليمني_قراءات|
رغم تعرض “داعش” في العراق وسوريا للهزائم؛ ما جعله يفقد ما يقرب من 98% من المناطق التي كان يُسيطر عليها، فضلا عن تعرض فروعه الخارجية لانكسارات مماثلة، فإنه لا يزال قادرًا على الاستمرار في نشاطه. هذه القدرة على الاستمرار تعود لاعتماده على عدد من الآليات التي مكنته من التغلب على الضغوط، لا سيما في ظل اندحاره من معاقله الرئيسة، ومحاولة إعادة الانتشار في مناطق أخرى.
فقد نجح التنظيم مؤخراً، خاصة على الأطراف الشمالية الشرقية لمحافظة السويداء جنوب سوريا، في تحقيق اختراقات أدت لارتكابه مجازر عدة، الأمر الذي طرح تساؤلات هامة عن الأساليب التي أعتمدها هذا التنظيم للتأقلم مع الهزائم ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها.
هزائم “داعش” لم تنحصر في العراق وسوريا فقد تعرض معقله الرئيسي في مدينة سرت الليبية لهزيمة نكراء، بعد أن أطلقت حكومة الوفاق في ليبيا عملية عسكرية في ايار مايو 2016، حملت اسم “البنيان المرصوص”، تمكنت خلالها من استعادة المدينة من قبضة مسلحي التنظيم بعد سيطرتهم عليها عام 2015، كما تم طرد التنظيم أيضًا من مناطق عدّة أخرى، في درنة وبنغازي، خلال الفترة من 2015 إلى 2017؛ وهو ما دفع عناصر التنظيم إلى التوجه جنوباً، في أكبر عملية إعادة انتشار للتنظيم.
أما في منطقة الساحل والصحراء، فقد تمكن التنظيم عبر مجموعة “أبو الوليد الصحراوي”، من العودة إلى الساحة مجددًا بعد انكفاء دام ما يقرب من العامين، وذلك من خلال بيان أصدره في كانون الثاني يناير 2018، يعلن فيه مسؤوليته عن الهجمات التي استهدفت القوات الفرنسية في الشهر نفسه، والهجوم الذي استهدف القوات الأمريكية في النيجر في الرابع من أكتوبر 2017.
وفي الصومال، اضطر تنظيم “داعش” الذي أعلن عن نفسه في أكتوبر 2015، بعد انشقاق القيادي عبدالقادر مؤمن عن “حركة شباب المجاهدين” مع 200 عنصر من أتباعه، إلى الهروب إلى بعض المناطق الساحلية مثل منطقة “عيل مدو” شمال شرقي الصومال، بعد هجوم الحركة على مواقعه عام 2014، وكذلك قرية “قندلا” التي لم يتمكن من السيطرة عليها إلا لنحو شهر أواخر كانون اول ديسمبر 2016؛ تجنباً لضربات “شباب المجاهدين” من جهة، والطائرات الأمريكية دون طيار من جهة أخرى، والتي تستهدف عناصر التنظيم.
هذه الحالات كشفت قدرة تنظيم “داعش” وفروعه الخارجية على التأقلم مع الضغوط والظروف الصعبة التي يتعرض لها بعد الهزائم العسكرية والخروج من المناطق التي ينشط فيها، وهو ما يفرض محاولة فهم العوامل التي ساعدت التنظيم على البقاء على قيد الحياة.
يبدو أن أول هذه العوامل هي تخليه بشكل كبير عن مبدأ السيطرة المكانية، والمتمثلة في السيطرة على قطعة محددة من الأرض بشكل كامل، وهو ما كان يسهل استهدافه، كما حصا في سوريا حيث عمد إلى إعادة انتشار مقاتليه في البادية السوريّة الممتدة للحدود العراقيّة، كنقطة انطلاق لشن هجماته الخاطفة.
ثاني العوامل هي الاستفادة من شبكة العلاقات الاجتماعية التي كانوا يتمتعون بها من قبل، مثل علاقات القرابة أو المصاهرة أو الانتماء القبلي، وهو ما يسمح لهم بالحصول على قدر من المساعدة، كالإيواء والدعم المادي والمالي واللوجيستي، ما يسمح لهم بالعودة لممارسة نشاطهم من جديد.
ثالث هذه العوامل أن معظم المجموعات الداعشية التي تعرضت للهزيمة، تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها من جديد، واستعادة جزء كبير من قوتها العسكرية والتنظيمية، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، تمكن تنظيم “داعش” في منطقة الساحل والصحراء، والمتمثل في مجموعة “أبو الوليد الصحراوي”، من الهروب إلى عدد من المناطق المتفرقة في شمال مالي وبعض المناطق الوعرة في تونس، مثل “المغيلة” و”سمامة” بمحافظتي القصرين وسيدي بوزيد، وذلك بعد الضربات التي تعرض لها من قِبَل تنظيم القاعدة.
رابع هذه العوامل هي الانتقال إلى المناطق التي تتصف بالتضاريس الجغرافية الصعبة، حيث تصعب مهاجمته؛ والاستفادة منها في التدريب وبناء المعسكرات، على غرار ما قامت به “داعش” في الصومال؛ حيث لجأت للمناطق الجبلية الوعرة، وهو ما جعلها قادرة على تجنب الضربات؛ وتحويل تلك المناطق إلى بؤر آمنة.
خامس هذه العوامل، وأهمها أنه احتفظ لنفسه في سوريا والعراق على مناطق قريبة تحظى بحماية اميركية كما يحصل في محيط قاعدة التنف الاميركية وكما يحصل في بعض مناطق شرقي الفرات.
يمكن القول إن قدرة تنظيم “داعش” في العودة إلى نشاطه الإرهابي عقب الهزائم التي تعرض لها، تعود بشكل كبير إلى إيجاد آليات تساعده على البقاء، مع غطاء أميركي تكاد واشنطن لا تظهره عمليا وان انكرته اعلاميا.
محمد محمود مرتضى / العهد
خليك معنا