الإثنين, 23 ديسمبر, 2024

عن خفايا مفاوضات غريفث في صنعاء واحاطة مرتبكة

كان متوقعا ان يقدم غريفث احاطة فيها قدر من الحقائق عن مواقف الأطراف حتى وان خلت من أي انتقاد للطرف المتعنت من باب تفهم الحرص على عدم خسارته كونه يحظى بالدعم الدولي.

الا ان ما بدى مفاجئا تمثل في كم المتناقضات التي حوتها ما جعل هذه الإحاطة مرتبكة وهزيلة وغير ذات معنى بسبب انها لم تكن امينة وشجاعة في نقل مدى تجاوب من التقى بهم مع الأفكار التي قدمها كأساس لحل يبدأ من الحديدة كخطوة الى الحل الشامل للصراع وأيضا مع قناعاته التي عبر عنها اثناء التقائه بقيادات عليا في زياراته الى صنعاء حول الحرب على الحديدة تحديدا.


وبهذا الخصوص وبحسب مصدر ثقة ومسؤول صرح غريفث بمعرفته من ان الحرب على الحديدة تأتي في اطار أطماع النظام الإماراتي بالسيطرة على الموانئ، كما انه اكد قدرته على اقناع الطرف الأخر بحسب التعاطي الإيجابي من صنعاء على الرغم من علمه بعدم حيادية المجتمع الدولي ومنه بريطانيا التي بعثت برسالة رسمية عبر سفيرها في اليمن تطالب فيها سلطة صنعاء بتسليم محافظة الحديدة وكان الرد من ان المدن لا تسلم برسائل بحسب ذات المصدر.


غريفث في احاطته لم يشر الى المعوقات التي عثرت خطواته كما لم يشر الى من افتعلها وبدلا من ذلك استسهل استبعاد الخوض في الحرب على محافظة الحديدة ربما باعتبار ما صار عنده يقينا من اصرار التحالف على المضي فيها فاختار السلامة بالتراجع عن افكاره التي قضى حوالي ستة اشهر في محاولة اقناع الأطراف بها بل وبشر باقتراب تحقيقها على الواق، اذ وبدون ادنى شعور بالمسؤولية انتقل من مسار ايقاف الحرب الى المسار السياسي باعتبار ان الأخير وان تطاول امده فهو سيظل بعيدا عن الضغط الذي يحاصر مطلب انجاز وقف الحرب الذي يذكر بفداحتها تزايد حجم الضحايا مع كل يوم يتجدد فيها قتال يحتل صدارة الأخبار على وسائل الإعلام وكذا صدارة اهتمام المنظمات الانسانية والحقوقية.


وقد شرع فعلا سياق تضييع الوقت وبيع الوهم بدعوة قيادات سياسية يمنية مختلفة ومن جميع التيارات والمكونات، للاجتماع بهم في لندن في الـ6 من أغسطس الجاري، ولمدة اربعة ايام لمناقشة تحديات استئناف العملية السياسية و فرص استئنافها وكذا بحث قضية الحديدة الخيارات والحلول، مع ان من سيحضر هذا الاجتماع لن يجدوا جديدا ليقولوه مثلما انهم بلا قرار ولا حتى قادرين على التأثير في صناعة القرار الذي يعرف
غريفث مصدره والمتحكم فيه.


اذن رضخ المبعوث الأممي للضغوط واعلن تخليه عن مسار هو من اختاره كطريق سالك للحل الشامل، معترفا بإحاطته المقدمة الى مجلس الامن بفشله ليس في وقف المعارك على مدينة الحديدة فقط بل وازدياد وتيرتها بالاستناد على ماقال ان عسكريين ابلغوه من انها اصبحت مركز ثقل الحرب.


غريفث وبقفزة هروبية الى الأمام قدم اقتراحه بعقد لقاء سياسي في جنيف داعيا المجلس لمساندته بالضغط على الاطراف لحضور الاجتماع المحتمل في السادس من سبتمبر القادم وهي مهلة اضافية للتحالف كي يحسم المعركة على الارض على الرغم من استحالة تحقيقه الا في حال حصول ابادة جماعية للسكان وتدمير لما تبقى من المدن.


لقد وشت احاطة غريفث بحرجه وارتباكه كونه لم ينقل حقيقة موقف انصار الله الذي اتسم بالمرونة وموقف هادي ومعه التحالف السعودي الإماراتي الذي كان تصلب مسؤوليه معلنا من خلال تصريحات رافضة لأي تعاطي مع افكاره التي قدمها واجرى عليها تعديلات مع كل زيارة جديدة.


بالمقابل كان لافتا ان متغيرا ايجابي في ادارة الازمة السياسية قد حصل منذ امسك قائد انصار الله بملف المباحثات مع المنظمة الدولية
والمجتمع الدولي مفتتحا مرحلة جديدة من التعاطي المدروس والمفتوح مع اي افكار يتم تقديمها لحل الصراع في اليمن حتى وان بدت مستفزة وهي استراتيجية تهدف الى كشف حقيقة التكالب الدولي واسقاط ذرائع التحالف وبالذات ماله علاقة بالحديث عن استغلال ميناء الحديدة لتهريب السلاح رغم عدم منطقيته في ظل التفتيش الدقيق للسفن القادمة الى الميناء من قبل التحالف والأمم المتحدة.


وفي هذا السياق كانت لقاءات السيد عبد الملك الحوثي بممثل الامم المتحدة اثناء زياراته الى صنعاء في مجملها ايجابية ـ بحسب مصدر مسؤول وموثوق ـ حيث اخذ نقاش افكار غريفث حول الحديدة الكثير من الوقت في ظل محددات ثابتة لم تتغير من ان سقف أي مفاوضات لن تتجاوز مشاركة الامم المتحدة في ادارة الميناء والاشراف اللوجستي في حال تم تجزيئ الحل مع رهن الانتقال لمناقشة مستقبل المدينة او حتى المحافظة بكاملها بنجاح المرحلة الاولى و اثبات حسن النوايا بالانتقال الى مباحثات الحل الشامل التي يسبقها اعلان هدنة شاملة.


المصدر ذاته والذي لم يأذن بالتصريح باسمه كشف من ان عبد الملك الحوثي طرح بدائل يمكن نقاشها من ضمنها الأخذ بحل خفض التصعيد الذي تم تجربته في محافظات سورية، ومثل هذا التعاطي الايجابي بمقابل سلبية الطرف الاخر.


دعا المبعوث الأممي إلى الإشادة بموقف الحوثي ببيان رسمي عقب انتهاء زيارته في 4 يوليو بالقول” أنا ممتن بشكل خاص للسيد عبد الملك الحوثي الذي التقيته بالأمس، على دعمه، والمحادثات المثمرة التي أجريناها” الا ان تغيرا حصل في الزيارة الاخيرة لغريفث في يوليو الماضي حول رؤيته التي طرحها حيث وضح بشكل جلي مدى عجزه عن اقناع طرف التحالف بتقديم ما يشير الى حسن النوايا بايقاف محاولة احتلال الحديدة والذي كان المانع الوحيد من تحقيق هدفه هو شراسة المقاومة وتكبده خسائر جسيمة جعلته يبحث عن نصر بلا حرب.


ومثل ذلك عجزه حتى عن اقناع التحالف وحكومة هادي بوقف التصريحات الاستباقية الرافضة لأي محادثات قبل الانسحاب من الحديدة بكاملها مع ما فيها من احراج لحياده وتقليل لدوره وتعقيد لمهمته باعتبار ان هذه التصريحات تمثل نسفا لأي جهود يقوم بها، الا انه ومع كل ماسبق وبدلا من اعلان حقيقة مواقف الاطراف سعى في زيارته الاخيرة الى اقناع انصار الله بتقديم تنازلات اكبر بذهنية انهم الطرف الأضعف الذي يحاول انقاذه وهو ربما ما دعاهم الى التصعيد في البحر الأحمر واستهداف مطار ابوظبي بطائرات مسيرة وتكثيف العمليات الحربية على امتداد الساحل الغربي بالتوازي مع اسماعه مالم يسمعه من قبل.


وللتدليل على مدى ارتباك جريفث وتناقضاته فيما اورده في احاطته لمجلس الأمن مع ما يبدو انه يقتفي خطى ولد الشيخ بالاستناد الى النقائض والبناء على نتائج لاعلاقة لها بما اورده من معطيات يمكن الإشارة باختصار الى بعض هذه التناقضات:


في احاطته يقول بعدم نجاحه في تفادي معركة مدينة الحديدة ومينائها ومن انه لم يصل بعد الى متطلبات مثل هذه الصفقة الا انه مع ذلك يؤكد انه (وبدعم المجلس نجحت الجهود التي قمنا بها في تضييق الفجوة بين الجانبين بطريقة لم يتوقعها أحد).
ثم يصل الى نتيجة مغايرة تفضي الى التخلي عن قضية الحديدة وبدلا من ان كانت مقدمة لحل شامل تم ترحيلها الى بند ضمن تسوية شاملة.


ومما قاله بالنص موجها حديثه لرئيسة المجلس (ما هو واضح لي الآن، سيدتي الرئيسة، هو أن هذه القضية – حل الأزمة في الحديدة – لديها فرصة أفضل للحل ضمن تسوية سياسية شاملة ).
و يطالب بأن لا نسمح بأن يؤدي التقدّم او عدم التقدّم في ملف الحديدة الى ابعادنا عن تركيزنا الأساسي، وهو البحث عن حل سياسي لهذا الصراع.


مع انه اشار وإن على استحياء حول التعاطي الإيجابي من قبل انصار الله فيما يتعلق بالحديدة، بالقول عن تحقيق تقدم فيما يتعلّق بدور الأمم المتحدة في الميناء، مشيرا الى اتفاق مع قيادة أنصار الله حول ذلك قبل بضعة أسابيع، في الوقت الا انه يتلاعب بالكلمات ويخاتل فيما له علاقة بتعنت الطرف الأخر ودون ان يحدد يشير الى ان هذا لا يعني انه تمّ سد الفجوة، مؤكدا على مواصلة جهوده لتحقيق السلام.

جمال عامر

من صفحة الكاتب على الفيس بوك

خليك معنا

آخر الأخبار

مرحبا بعودتك!

تسجيل الدخول إلى حسابك أدناه

استرداد كلمة المرور

الرجاء إدخال اسم المستخدم أو عنوان البريد الإلكتروني لإعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.

أضف قائمة تشغيل جديدة