كل الروايات عن سقوط بلاك هوك السعودية في محافظة مارب شرق اليمن ومقتل 12 ضابطا سعوديا كانوا على متنها تنطوي على نكسة سعودية كبيرة لها تداعيات لن تتوقف عند حدود مراجعة السعودية لادائها وعلاقاتها بالجماعات المسلحة ومن بينها الاخوان المسلمين التي تسيطر على هذه المحافظة باستثناء بعض المديريات فيها وتتلقى دعما متواصلا من السعودية ، بل ستصل إلى وضع شكوك حول شريكتها الأبرز في تحالفها ، أعني الامارات
هناك الكثير من الفرضيات المطروحة اليوم أمام السعودية التي أعلنت أنها بصدد البحث والتحري والتحقيق لكشف الجهة التي أسقطت الطائرة، من بينها القاعدة ومن بينها أبناء بعض القبائل التي دخلوا في مواجهات مسلحة مع الجماعات المسلحة المنتشرة في المحافظة ومن بين الاحتمالات الواردة أيضا قوات تحالف الحوثي – صالح ، ولكن ربما بل مرجح أن السعودية سوف تكابر ولن تعترف بأن ذلك حصل بنيران خصومها ، ستختار في النهاية أن تقول نيران صديقة عن طريق الخطأ وما أكثر الاخطاء في هذه الحرب العدوانية
ستفتح بوابة الاتهامات مجددا على مصراعيها والتشكيك بالقوات التي تتبع هادي ونائبه علي محسن في المحافظة وبأنها مخترقة وتذكرنا بالاتهامات التي أُطلقت في عملية سقوط صاروخ اسكود على معسكر تحالف العدوان في منطقة صافر بالمحافظة نفسها في 4 سبتمبر 2015 وسقط خلال هذه العملية 54 جندي إماراتي ولم تكشف السعودية عن الأرقام الحقيقية لعدد جنودها الذين سقطوا ، وعلى اثر هذه الإتهامات حصلت تغييرات كبيرة في قيادات قوات عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الاحمر قد تتكرر مجددا ، وهذا الامر يضعف المعسكر التي تراهن السعودية عليه في عملياتها في اليمن على الاقل في البوابة الشرقة والشمالية
طيران السعودية العسكري يتجول بحرية تامة في سماء هذه المحافظة ويشارك في بعض العمليات العسكرية لمساندة قوات هادي ولكن لماذا كل هولاء الضباط كانوا على متنها دفعة واحدة ؟! وهل فشلت الاحتياطات لسلامتهم أم أن الاحتياطات كانت منعدمة أصلا وهذا يكشف خلل عسكري كبير وسوء خبرة ؟! لكن الامر الأخطر أن يكون وراء هذه العملية عملا استخباراتيا دقيقا وهذه الجزئية تقودنا إلى أن نتذكر الإشادة التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لتحالف الحوثي – صالح العميد شرف لقمان بالاستخبارات العسكرية التي كان لها دورا كبيرا في تحديد أهداف دقيقة لتحالف العدوان من بينها غرفة عمليات قيادة التحالف في باب المندب التي قتل فيها قائد القوات الخاصة السعودية في اليمن العقيد عبدالله محمد السهيان وقائد وحدات الجيش الاماراتي العاملة مع قوات التحالف سلطان محمد علي الكتبي وعشرات الجنود، في 14 ديسمبر 2015 بالاضافة إلى الكثير من الاهداف التي قتل خلالها قيادات عسكرية ميدانية كبيرة تابعة لتحالف العدوان وآخرهم اللواء أحمد سيف اليافعي نائب رئيس هيئة الاركان للقوات التابعة لهادي ووضعت علامات استفهام حول كيف تم تحديد أماكنهم بدقة ، فهل كانت هذه العملية التي رصدت الطائرة السعودية وعلى متنها هذه المجموعة من القيادات عمل استخباراتي ناجح ؟ امر ليس مستبعدا
المفارقة ان تأتي هذه العملية متزامنة مع وصول وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيس إلى السعودية ، قد يبد الامر محض صدفة لكن ما توضح في هذه الزيارة ومرتبط باليمن هو التصريحات المتعلقة ” بالصواريخ الايرانية ” حسب التوصيف السعودي التي يمتلكها الحوثي فلماذا تعترف السعودية بوجع هذه الصورايخ الباليستية وهي التي تنكر سقوطها وتتكتم على الاضرار والخسائر الناجمة عنها مع كل زيارة لمسؤولين أمريكيين أوبريطانيين ؟! ولماذا تربط هذه فورا بإيران ؟! الامر هنا مفهوما ومقصودا ويأتي في سياق تأكيد مزاعم السعودية أنها تحارب ايران في اليمن فهذا التصريح لوزير الدفاع الامريكي يذكرنا بأربع تصريحات مشابهة طوال العامين الماضيين ولم يتغير الامر ولا تزال الصورايخ تسقط على اهداف في العمق السعودي بل وصلت إلى العاصمة الرياض لان السعودية لا تزال تواصل عدوانها على هذا البلد الفقير الذي كان يحتاج إلى المساندة وليس إلى تحالف عربي وأفريقي وغربي لضربه وحصاره وتجويع شعبه ، إذ سبق وان أبدى وزير الخارجية الامريكي قلقه وانزعاجه وتضامنه مع السعودية نتيجه تعرضها لهذه الصواريخ ، أيضا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون خلال زيارته للسعودية في 11 ديسمبر 2016 وايضا أمين عام الامم المتحدة غوتريس وقبله بان كيمون ، لكن كل هولاء لم يتقدموا خطوة واحدة تجاه تجنيب السعودية سقوط هذه الصواريخ لان جميعهم يدركون أن الامر مرتبط بحل الازمة اليمنية ككل وإيقاف الحرب ولا يمكن فصله عن هذا السياق إلا في إطار حسم عسكري بعيد المنال في ظل افق مسدود وعجز واخفاق واضح رغم ما تم بذله منذ عامين . وما يجدر الاشارة إليه هنا أن هذه الصواريخ ليست إيرانية بل روسية من طراز توشكا يتم يتطويره محليا ، لكن لابد من إلصاق الامر بإيران حتى تمرر فكرة أن هذه الحرب وهذا العدوان الذي يقتل اليمنيين هو ضمن الحرب على ايران .
اللافت وسط التصريحا التي أدلى بها وزير الدفاع الامريكي عودة الحديث عن البحث عن حلول سلمية للازمة في اليمن وفق الخطط التي قدمتها الامم المتحدة ، وتراجع السعودية قليلا عن التصريحات المتعلقة بمهاجمة الحديدة غرب اليمن ضمن معركة السيطرة على السواحل الغربية لليمن عسكريا بعد فترة وجيزة من إعلان السودان استعدادها لارسال بين 6 – 10 ألف جندي سوداني للمشاركة ضمن قوات التحالف، فهل وصلت السعودية إلى قناعة تامة إلى أن إعلان بدء عملية عسكرية تستهدف الحديدة في الوقت التي لاتزال المعارك تجري بضرواة في منطقة المخا – ذباب على بعد نحو 170 كيلو هي مجازفة جديدة لا تحتاج إليها الآن ؟! نعم ، ومن يعتقد أن السعودية قادرة على مهاجمة الحديدة في الوقت الراهن او حتى خلال الاشهر المقبلة فعليه أن يرصد حصيلة خسائرها حتى الان في العمليات العسكرية في منطقة مفتوحة لا تتجاوز 50 كيلو بين ذباب والمخا وتشارك فيها ألوية عسكرية من المقاتلين والطيران الحربي والاستطلاعي والبارجات منذ ثلاثة أشهر ومع ذلك لم تحسم حتى اللحظة