فرضت الحرب الدائرة في تعز، منذ قرابة أربعة أعوام، واقعاً معيشياً صعباً، آخر نتائجه تنامي ظاهرة السرقة بشكل مرعب، تنامٍ يُسجّل خصوصاً في أوساط شريحة النساء الأشد فقراً في المدينة، بعدما تقطعت بهن السبل، وأوصدت أمامهن كل الأبواب، وطال أمد الحرب، فوقفن عاجزات أمام أسرهن وأطفالهن الذين يتضورون جوعاً، في الوقت الذي تذهب فيه المعونات الإغاثية لإقطاعات تجار الحروب، وبات من غير المبالغ فيه القول إن الحرب ولدت «لصوص ناعمة».
في الآونة الأخيرة انتشرت عمليات سرقة بواسطة نساء يتقن العملية بحرفية عالية، وبطرق خاصة تمكنهن من الحصول على أكبر قدر من الدخل اليومي جرَّاء تلك العمليات، كل هذا في ظل وضع أمني هش وعجز واضح من قبل الأجهزة الأمنية عن ضبط الأوضاع وإحلال الأمن في المدينة. قبل أيام رصد معرض تجاري لبيع الملابس، في شارع 26 سبتمبر، عصابة مكونة من طفلتين وأربع نساء، تمارس السرقة بطريقة محترفة، مستخدمة الطفلتين وسيلة للوصول إلى أهدافها المرصودة.
مالك المتجر وهيب الحمادي، تحدث إلى «العربي» عن تفاصيل السرقة المتقنة التي تعرض لها، قائلا: «بعد دخول النسوة الأربع والطفلتين، أنزلت ثلاث منهن بضاعة إلى ماسة العرض، وطلبن مني أن أسعر البضاعة، وأثناء عملية البيع نفذت المرأة الرابعة وعبر الطفلتين مهمة السرقة»، ويضيف «ذهبت الطفلة وتحت رقابة المرأة الرابعة، إلى الدرج الخاص بالفلوس، وأخذت مبلغ 200 ألف ريال يمني، ووضعته في حقيبة المرأة».
ويتابع حمادي بصوت تملأه الحسرة وملامح الإندهاش والتعجب على وجهه، أنه «وأثناء تنفيذ العملية لفت انتباهي مناولة الطفلة المبلغ المالي للمرأة، فهرعت إلى محل الدرج بسرعة فائقة، فوجدت الدرج مفتوحاً ولم أجد الفلوس»، ويتابع «طلبت من المرأة تسليم الفلوس فرفضت، وبطريقة فجة أنكرت أنها سرقتها، ولكن بعدما هددتها باني سأبلغ الشرطة، سلَّمت مرغمة المبلغ الذي قمن بسرقته». وعن مصير الطفلة الثانية والتي غادرت قبل العملية، أكد أنه «لم يعرف متى وكيف خرجت، وهل كانت قد أخذت معها بعض الملبوسات أم لا»، مشيراً إلى أن «الكثير من أصحاب المحلات التجارية في الشارع، يتعرضون لسرقات شبه يومية من قبل نساء محترفات، حيث يسرقن ملابس واكسسوارات وشنط وتلفونات ومبالغ مالية، ويتم إخفاءها خلف ملابسهن الفضفاضة».
تطور خطير للجريمة
ولم تقتصر عملية السرقة من قبل «الأيادي الناعمة» في مدينة تعز على المحلات التجارية فقط، بل كشفت الأجهزة الأمنية مؤخراً، عصابات مؤلفة من النساء تقوم بعمليات سرقة لمحتويات المنازل، خصوصاً الذهب، الأمر الذي أثار الكثير من المخاوف لدى السكان، وهم الذين تناقلوا حوادث تطور الجريمة، بشكل دفع بكثير من الأسر إلى المسارعة في إعادة أموالهم ومحتوياتهم الثمينة إلى المصارف، بعدما كانوا قد سحبوها في الآونة الأخيرة خوفاً من المعارك المندلعة بين فصائل «المقاومة» داخل المدينة. وبحسب الإحصاءات لأحد مراكز الشرطة في المدينة، لفت المسؤولون فيه خلال حديثهم إلى «العربي»، إلى أن «9 منازل تعرضت للسرقة في أقل من أسبوع فقط»، ناهيك عن تسجيلات مراكز الشرطة الأخرى لحوادث مماثلة تشهدها المدينة. مدير قسم «شرطة الدحي» الرائد نجيب عبد الرحمن الشرعبي، كشف في حديث خاص لـ«العربي»، أن «إدارة القسم تلقت يوم الثلاثاء الماضي، 6 بلاغات عن امرأة تقوم بسرقة الذهب من النساء في حي الدحي»، مؤكداً أن «إدارة القسم قبضت على المتهمة (ن. ص. م)، وأوقفتها في القسم، على ذمة التحقيق، بتهمة سرقة الذهب من نساء الحي».
وأضاف أنه «تم التحقيق مع المتهمة واعترفت بأنها قامت بأخذ بدلات ذهب قطب وخواتم، من ست نساء في الحارة، حيث أنها تأتي إليهن وتطلب منهن إعارتها للذهب بغرض التزين به في عرس إحدى قريباتها، ومن ثم أغلقت منزلها وهجرت الحي»، موضحاً أنه «خلال التحقيق بررت المرأة سبب ارتكابها للجريمة بأنها وقعت في وضع متأزم أجبرها على ذلك، فهي كانت بحاجة لتأمين العلاج لأمها المريضة، والذهب مرهون بفلوس تكاليف العلاج وبقيمة 350 الف ريال».
مدير قسم الشرطة نفى صحة رواية المرأة الموقوفة، فأكد أنها «امتهنت السرقة، وأن ما لديها من ذهب يتجاوز مبلغ المليون ريال يمني»، موضحاً أنها «تتهرب منذ ثلاثة أشهر من تسليم الذهب، وقد اشترت قطعة أرض، وبدأت ببنائها». واستدرك قائلاً، إن «المتهمة ضحية نفسها أولاً وضحية يتمها المبكر، ومرض أمها لعب دوراً كبيراً بممارستها الخاطئة، والتي كانت تريد أن تتخلص من عبء الإيجارات بشرائها أرضية لتبني لها غرفة ومطبخ وحمام، ولكن بالطريق الغلط».
وأضاف أنه «وبسبب عدم وجود سجن خاص بالنساء في القسم، وعدم الحصول على ضمانات لعودتها في حال تم إطلاق سراحها، فإنه ووفقاً لرغبات المتهمة نفسها، تم احتجازها في منزل إحدى الشرطيات، وسيقوم القسم بنقل القضية إلى النيابة العامة، لتأخذ مجراها في القضاء»، لافتا إلى أن «المتهمة شابة ذات 21 عاما، وهي المعيلة الوحيدة لأمها التي تعاني من أمراض عدة، وليس لها مصدر دخل ولا راتب».
رئيس منظمة «رصد»، الناشط الحقوقي أكرم الشوافي، يرى في حديثه إلى «العربي»، أنه «ومن خلال عملية الرصد والمسح الميداني، تبين أن المتضررين من الحرب في المدينة ليسوا الرجال فقط، بل وحتى النساء اللواتي تتحملن بسبب الحرب مسؤولية كبيرة، أكبر بكثير من قدرتهن، وأصبحن المعيلات للمنازل بسبب فقدان أزواجهن»، مشيراً إلى أن «انتشار ظاهرة السرقة لدى النساء تحدث وبشكل كبير جداً في المناطق الأشد فقراً».