نشر الأكاديمي في جامعة عدن محمد مسعد العودي، مؤخرا، كتابه عن ظاهرة التناص في شعر البردوني باعتبارها أداة لاكتشاف مكونات النص الأدبي وروافده الثقافية والفكرية.
وفي كتابه الذي يحتوي على 248 صفحة، الصادر عن عن دار أمجد للدراسات والنشر في الأردن، يؤكد العودي أهمية الدرس التناصِّي في شعر البردوني الذي لم يحض بدراسة من هذا النوع، برغم غناه التناصِّي الذي يستحق التوقف عنده بالبحث والدراسة والتحليل. ويشير إلى أن دراسته هذه تعد الأولى، من في بابها في شعر البردوني، وأن الدراسات التي تطرقت إلى شعر البردوني -على أهميتها كلها- تطرقت إلى مواضيع متعددة، وإن أشار بعضها إلى موضوعة التناص في شعر البردوني فإنها تبقى جزئية ولم تستغرق الظاهرة برمتها في شعره.
وقد جاء الكتب في تمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة مشتملة على أهم النتائج التي توصل إليها المؤلف، وقد تناول في التمهيد ثلاثة مفاهيم هي: النص، والتناص، ومظاهر التناص في شعر البردوني، في حين جاء الباب الأول، موسوما بالتناص الديني؛ وفيه تناول علاقات التناص مع النص الديني المتناص معه وهو نص كلِّي، يبدأ برحلة الشقاء «طرد آدم عليه السلام من الجنة» وينتهي بعودة الآدمية إلى الجنة، ويتجلى هذا النص من خلال عناوين الفصول: الفصل الأول: متناص الاغتراب «التناص مع رحلة الطرد من الفردوس»، الفصل الثاني: التناص مع نص البعث، والفصل الثالث: التناص مع نص الفردوس.
أما الباب الثاني، فقد حمل عنوان: الأبعاد الرمزية لصور الزمان، وفيه حاول المؤلف أن يتابع الدلالات الرمزية المحورية التي لها علاقة بنصية الخلود ويتجلى ذلك في عناوين الفصول كالآتي: الفصل الأول: الجذور الرمزية لصور الليل، الفصل الثاني: الجذور الرمزية لصور الصبح، الفصل الثالث: الجذور الرمزية لصور الشمس. أما الباب الثالث (النظير النصي)، ركز فيه على التناص الظاهر مع عدم إغفال الدلالات الرمزية المحورية التي لها علاقة بنصية الخلود.
وقد توصل الكتاب إلى نتائج مهمة من بينها: إن التناص منهج في المعرفة وآلية في التناول، وهو مفهوم حديث لظاهرة قديمةٍ قِدَمَ الشعر، ولا يخلو منها نص على الإطلاق، وله مظاهر مختلفة أهمها: التناص الشعوري، والتناص اللاشعوري، وأهم مظهر من مظاهر التناص في شعر البردوني كان التناص الكلي اللاشعوري، إذ شكل بعدا ذا أهمية بالغة الخطورة في شعره. وثاني مظهر من حيث الأهمية، هو مظهر الاستجلابات الرمزية اللاشعورية لجذور الصور التي تصب في نفس المصب الأوّل.
وثالث مظهر، و هو أقل أهمية من المظهرين السابقين، ويتمثل في التناص الشعوري أو الواعي، وقد كثر هذا المظهر المتجسد في النظائر النصية في الدواوين الأولى من شعره، وقد كانت اقتراضات بعضها معلن وبعضها الآخر غير معلن.
ويبين الكتاب، إن مظاهر التناص كثيرة في شعر البردوني ولا تكفيها دراسة واحدة، ولكن مهما تلونت مظاهره فإن هناك نصا مرجعيا واحدا يقف خلفها كلها ألا وهو نص الخلود هذا النص الذي يمثل العالم الذي ظلت الذات تنشده من «أرض بلقيس» إلى «رجعة الحكيم بن زايد» وقد مثـَّل عنوان الديوان الأول «من أرض بلقيس» بداية رحلة الاغتراب بقصد أو بغير قصد، ومثـّل عنوان الديوان الأخير «رجعة الحكيم بن زايد» خاتمة الرحلة.