في الـ25 من يونيو الجاري، اجتمع مجلس الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج، وأصدر 14 توصية بشأن اليمن. هذه التوصيات ببنودها المطولة هي تقريباً، أطول وأكثر توصيات يصدرها الاتحاد الأوروبي بشأن الوضع في اليمن منذ اندلاع الحرب الشاملة في مارس 2015. إحدى هذه التوصيات تؤكد على أنه «لا حلّ عسكري في اليمن»، وتشير إلى بيانات وتوصيات سابقة للمجلس الأوروبي تتضمن الكلمات الخمس نفسها.
ليست المرة الأولى التي يشدد فيها الاتحاد الأوروبي على أنه «لا حل عسكري للنزاع في اليمن». على طول مراحل الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، كرّر الاتحاد الأوروبي هذه العبارة، كما تكررت بأصوات منفردة لوزراء خارجية دول أوروبا، بما فيها بريطانيا وفرنسا؛ الدولتان الأوروبيتان الأكثر فاعلية في النزاع المسلح بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. العبارة ذاتها، كررها المسؤولون الأمريكيون في إدارة أوباما السابقة، وحالياً ضمن إدارة ترامب المجنون، بمن فيهم سفير واشنطن لدى اليمن ماثيو تولر، جون كيري وزير الخارجية الأسبق، ووزير الخارجية الحالي مايك بومبيو.
إلى جانب وزراء خارجيات أوروبا وأمريكا، والمسؤولين المخولين بالتحدث عن الشؤون الخارجية لبلدانهم، تكررت هذه العبارة المثيرة للحيرة، على ألسن مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم أيضاً، مبعوثو الأمين العام الثلاثة إلى اليمن؛ بدءاً بجمال بن عمر، ثم اسماعيل ولد الشيخ، وحالياً مارتن جريفيث. آخر مرة لهج فيها لسان جريفيث بالعبارة الغامضة، كانت أمس الجمعة في مسقط، ضمن لقاء صحفي لـ«مركز أنباء الأمم المتحدة». «لا حل عسكرياً في اليمن»، صارت أشبه بلازمة دبلوماسية لكل مسؤول دولي يريد التحدث عن حرب الأشقاء في اليمن. ومن ناحية الغموض، تبدو العبارة أشبه بشفرة لم يتمكن أحد من فكّها حتى الآن؛ ذلك أن كل تكرار لها، يجلب معه مفارقة واضحة بين رغبة المجتمع الدولي بإنهاء الحرب، وبين تجدد القتال بصورة أكثر ضراوة.
وإلى ذلك، تزدهر مبيعات الأسلحة الأمريكية والأوروبية لدول «التحالف العربي» بالتزامن أو بالتعاقب مع تكرار هذه العبارة اللغز، كما تزداد قدرة «الحوثيين» على إدخال أنواع جديدة من الأسلحة في المعارك. وكلما طالت فترة القتال، ازداد الوضع الإنساني في اليمن تدهوراً إلى الدرجة التي يحق عندها لأي مواطن أن يتساءل عمّا إذا كانت هذه العبارة شفرة سياسية من نوع ما، تنذر بفصول جديدة من الحرب وتعاظم المأساة اليمنية. إذ لم يعد هناك أسرة في طول اليمن وعرضه، لم تكتو بنيران الحرب. والقصص المأساوية لهذه الأُسَر، بما فيها عائلات المقاتلين، صارت من الفظاعة والغرائبية بحيث تتقلص عندها المساحة الفاصلة بين الواقع والخيال.
لا أحد بمقدوره نكران دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة في الضغط على أطراف الحرب لتخفيف وطأة النزاع على المدنيين ووقف تدهور الوضع الإنساني. غير أن المساعي المضنية لإحلال السلام عبر المفاوضات والحلول السياسية، ستظل فريسة للعبث وفقدان المصداقية، مالم ترافقها مساعٍ موازية لتجفيف المصادر التي تغذي الحل العسكري؛ تدفق السلاح.