انبرى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لإعطاء تفسيرات لكلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الدول الثرية في الشرق الأوسط التي ستنهار خلال أسبوع إذا ما توقفت الحماية الأمريكية عنها، فالجبير اعتبر أن المقصود بهذا الأمر هي دولة قطر التي “يجب أن تدفع ثمن وجود القوات العسكرية الأمريكية في سوريا وأن تقوم بإرسال قواتها إلى هناك وذلك قبل أن يلغي الرئيس الأمريكي الحماية عنها والمتمثلة بوجود القاعدة العسكرية الأمريكية على أراضيها”، بحسب قول الجبير.
ويبدو أن الجبير قد نسي أو تناسى أن من طالب الأمريكيين بالبقاء في سوريا وضرورة عدم سحب قواتهم من هناك، ليس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أو مسؤول قطري آخر، إنما من طالب بذلك وشدد عليه هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
واللافت أن المواقف الأمريكية حول سحب القوات من سوريا بدأت تنتشر بعد كلام ابن سلمان ما فهم على أنه استمرار واضح لسياسة الابتزاز والمتاجرة ونهب المال السعودي من قبل الإدارة الأمريكية، وها هو ترامب اليوم يجدد ما بدأه في هذا الإطار منذ وصوله إلى البيت الأبيض (وما سبق ذلك خلال حملته الانتخابية) بضرورة أن تدفع الدول الخليجية جزية وبدل الحماية التي تقدمها لها الولايات المتحدة الأمريكية.
الجميع سيدفع..
والحقيقة أن قطر ليست من الدول المستثناة من عملية الدفع إنما هي جزء من كل وإحدى الجهات الواجب عليها الدفع كما غيرها وربما أكثر من غيرها خاصة أنها مقاطعة من 3 دول مجاورة لها بالإضافة إلى مصر، حيث يُفرض عليها حصار جوي وبحري وبري مطبق يزيد من صعوباتها، وترامب لن يوفر أحدا من الابتزاز وسرقة أموالها وعلى “عينك يا تاجر”، إلا أن كل ذلك لا يعني أن قطر وحدها ستدفع بل أن الدولة الأولى المعنية بذلك هي المملكة السعودية وسبق لترامب أن أعلن ذلك صراحة دون مواربة، والجميع يذكر كلامه الموجه مباشرة لابن سلمان أمام وسائل الإعلام عن بيعه السلاح وضرورة دفع الأموال باعتبارها لا قيمة لها بالنسبة لابن سلمان.
واللافت إلى أن الجبير للمرة الثانية على التوالي خلال أسبوع يحاول لعب دور المعقب أو المحلل للمواقف الأمريكية، فهو سبق أن أعلن صراحة الجهوزية لإرسال قوات سعودية وعربية إلى سوريا في إطار استبدال القوات الأمريكية واليوم نراه يحلل أن على قطر إرسال قواتها إلى هناك ودفع الأموال لأمريكا، فهل قطر وحدها المحمية من الأمريكيين أم أن الحماية تشمل مختلف الأنظمة الخليجية وعلى رأسها النظام السعودي باعتباره العامود الفقري لمجلس التعاون الخليجي خاصة أن المملكة هي أكبر بلد خليجي في الجزيرة العربية؟ وهل ستمتنع الرياض عن دفع الأموال والجزية لترامب وستصر على أن تقوم الدوحة بالدفع لوحدها؟ وأي ردة فعل أمريكية ستكون فيما لو امتنعت المملكة فعلا عن الدفع؟
عين ترامب على المال.. والقدس؟!
الحقيقة أن ترامب يقبض الأموال السعودية من دون الحاجة إلى الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام، وأكبر دليل على ذلك الصفقات التي عقدت بين البلدين منذ زيارة الرئيس الأمريكي الشهيرة إلى الرياض حيث نال على وعود وصفقات بدفع ما يقارب الـ500 مليار دولار وما تلاها من صفقات لبيع السلاح وللاستثمارات السعودية في بلاد “العم سام” مع ما يعنيه ذلك من تهريب للمال السعودي إلى الجيوب الأمريكية، إلا أن الوقائع تشير إلى تعمد ترامب عدم إضاعة أي فرصة للتأكيد على حشر الأنظمة الخليجية في الزاوية وتشويه صورتها عمدا أمام الرأي العام بأنها أنظمة لا تستطيع حماية نفسها أمام سلسلة من الأخطار التي تحيط بها، وبالتالي هو يتعمد وضع النقاط على الحروف مع هذه الدول وتحجيمها بما يجعله يفرض عليها ما يريد في سياسة تجارية ذكية خاصة أن هذه الدول تعاني الكثير من المخاطر الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى عداوات معلنة أو غير معلنة فيما بينها يطلع عليها ترامب بشكل أكيد ما يجعل موقفه أقوى في فرض كل ما يريد وهو يدرك أنه لن يجرؤ أحد على الاعتراض أو الرفض بل سيكون حاضرا بكل قوة لتنفيذ كل ما يطلب منه أمريكيا على مختلف المستويات المالية أو السياسية أو الأمنية.
وخطورة هذا الأمر لا تتجلى فقط في سرقة المال السعودي والخليجي بتخاذل من الحكام الذين يهدفون فقط لحماية مشاريعهم وطموحاتهم السياسية الآنية والفردية، إنما سينعكس بالمشهد العام الأوسع على قضايا الأمة ككل، فمن لا يجرؤ في نطاق ضيق على قول “لا” لترامب بالتأكيد لن يستطيع الوقوف بوجه المشاريع الأمريكية التي تهدف للإطاحة بقضايا الأمة الأساسية وفي طليعتها القضية الفلسطينية وجوهرها القدس المحتلة، ونحن على أبواب شهر مايو/أيار حيث تنوي الإدارة الأمريكية نقل سفارتها في الكيان الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدس بعد القرار الجائر الذي أصدره ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان، لذلك الخوف الأكبر أن نصل إلى تلك اللحظة ونشهد بأم العين التآمر الخليجي الواضح على القدس، والحقيقة أننا نسير بشكل واضح إلى هذا الأمر حيث لا يوجد أي أمل ببث الروح القومية والوطنية والإسلامية الحقيقية في نفوس هؤلاء القادة والزعماء الذي عقدوا مؤخرا قمة عربية في الظهران جل ما صدر عنها بعض المواقف والأموال غير القابلة للصرف بعد التفريط بالقدس وتقديمها على طبق من ذهب لـ”إسرائيل”.
حقيقة أنظمتنا..
وقرب موعد نقل السفارة قد يكون أحد الأسباب التي تدفع ترامب إلى فضح الأنظمة الخليجية كي لا يقوى أحد على رفع الصوت للاعتراض بل قد يكون الهدف الأبعد “سوق” قادة هذه الأنظمة لإعلان تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، والحقيقة أن ما يجري يؤكد عجز هذه الأنظمة فعلا عن حماية أنفسها وسيادة دولها سواء بوجه بعضها البعض أو بوجه أي خطر خارجي، كما يؤكد خوف الحكام من شعوبهم الذين لا يدينون لهم بالولاء كما يروجون لأنفسهم أمام العالم وهم سيسقطون فعلا خلال ساعات أو أيام إذا ما رفعت عنهم الحماية الغربية وعلى رأسها الحماية الأمريكية، وقد سبقهم إلى هذا السقوط العديد من الأنظمة والحكام في المنطقة بمجرد رفع الغطاء الأمريكي والغربي عنهم.
بقلم : مالك ضاهر
خليك معنا