في مخيمات مهترئة بحوش الصالة الرياضية في مدينة مأرب، يأوي أكثر من 300 معاق وجريح من المنطقة العسكرية الخامسة بعد عامين من القتال دفاعاً عن الحدود السعودية في جبهة ميدي. بأطراف صناعية وملابس مهترئة ووجوه شاحبة يستلقون في قارعة الطريق المؤدي إلى القصر الجمهوري في مأرب، وللأسبوع الرابع على التوالي، يعرضون مأساتهم ويشكون خذلانهم ولا يجدون من مسؤولي القصر سوى الوعود ليحملوا عكاكيزهم مساء كل يوم مثقلين بالخيبة ويغادروا ساحة اعتصامهم الى الخيام التي لا تقيهم صقيع الليل ولا عواصف الصحراء التي تراكم الأتربة فوق فرشهم.
عدد من جرحى ومعاقو المنطقة الخامسة شكوا لـ«العربي» انقطاع رواتبهم منذ عشرة أشهر، وقالوا إن «السلطات السعودية أخرجتهم في سبتمبر الماضي من المستشفيات في جيزان إلى مأرب ولم تكمل علاجهم»، مؤكدين أن شكاويهم ومطالباتهم المتكررة لم تلق أي استجابة وأن أوضاعهم في غاية السوء.
طرد من الفندق
في أكتوبر الماضي، قامت إدارة فندق «بلقيس» في مدينة مأرب بطرد عدد من جرحى المنطقة الخامسة، والذين أكدوا لـ«العربي» أن «إدارة الفندق أخرجتهم بالقوة من الغرف إلى الشارع وأبلغتهم انتهاء عقد الإيجار بين الإدارة ومركز الملك سلمان للإغاثة».
توجهوا حينها إلى لجنة معالجة الجرحى ولكنها، وبحسب شهاداتهم، لم تقم بأي دور تجاه إعادة تمديد العقد أو التفاهم مع إدارة الفندق لمنع إخراجهم منه أو ايجاد أماكن بديلة للسكن في مدينة مأرب. بعدها، لم يكن أمامهم من خيار سوى الانضمام إلى الجرحى والمعاقين الذي سبقوهم إلى حوش الصالة الرياضية كمأوى مجاني في العراء ويمنع عليهم هناك استخدام دورات المياه الخاصة بالصالة.
دفاعاً عن المملكة
الجرحى والمعاقون الذين يحتجون على مأساتهم في مأرب، مئات من آلاف البسطاء والمعدمين اليمنيين الذين تقدمهم حكومة الرئيس هادي إلى السلطات السعودية كـ«تجارة رقيق»، والأخيرة تتولى الدفع بهم إلى جيزان ونجران وعسير للدفاع عن الحد الجنوبي للمملكة. مصدر عسكري في رئاسة الأركان بمأرب قال لـ«العربي» إن «إجمالي عدد الضحايا من منتسبي المنطقة العسكرية الخامسة في ميدي خلال عامين من المعارك ضد الحوثيين هناك 925 شهيداً و خمسة آلاف 879 جريحاً و369 معاقاً».
وأضاف أن وزارة الدفاع السعودية هي التي كانت تتولى صرف مرتباتهم والإشراف عليهم وأن «الجندي اليمني الشهيد كانت أسرته تتسلم 100 ألف ريال سعودي، فيما الجريح كان يتلقى العناية في مستشفيات جيزان، وعند إكمال علاجه يصرف له 25 ألف ريال سعودي».
المصدر ذاته أفاد بأن وزارة الدفاع السعودية استبدلت القوات اليمنية في جبهة ميدي بقوات سودانية، ولم يتبق سوى لواء قتالي، ومنذ سبتمبر الماضي قامت بنقل عشرات الكتائب إلى مأرب، على أن تصرف مرتبات منتسبيها من رئاسة الأركان اليمنية. وبشأن الجرحى والمعاقين، قال المصدر إن «الكثير منهم استكملوا العلاج ولجنة رعاية الجرحى لا تزال تتابع مركز الملك سلمان لصرف المعونات الخاصة بهم، وأما المرتبات فقد تسلموا مع ألوية الجيش في كافة المناطق العسكرية قبل شهرين مرتب مايو 2017م وبقية الأشهر لم تصرف للجميع».
بعد عامين
يقيم الرئيس هادي وحكومته في فنادق الرياض التي توفر لهم كل وسائل الراحة وتلزم القوات السعودية معسكراتها في منطقة الموسم بمحافظة الطوال، وعلى مدى عامين وكلما اشتدت هجمات «أنصار الله» وراء الحدود في جيزان يدفع الضباط السعوديين بكتائب المجندين اليمنيين إلى خلف السياج الحديدي بالمنفذ الحدودي ليلاقوا حتفهم في شمال صحراء ميدي، ومع انكسار كل محاولة زحف ــ وما أكثرها ــ فإن الموت بقصف مروحيات الأباتشي يكون في انتظار الفارين من المواجهة مع «أنصار الله».
تناقصت أعداد المقاتلين اليمنيين دفاعاً عن المملكة وتساقط الكثير منهم بين قتيل وجريح، ومن تبقى منهم في مربع لا يتعدى بضعة كيلومترات محاصرين بالسياج الحدودي والصحراء الملغومة بالعبوات الناسفة لـ«أنصار الله»، لتضيق بهم السلطات السعودية وتستبدلهم بقوات سودانية وبعقد جديد، فالمال وسيلتها الوحيدة لمواجهة كل أزماتها وخوض معاركها.
خليك معنا