كالعادة، يعلن «التحالف العربي» ومعه «الشرعية» عن إطلاق عمليات عسكرية بتحرير مدينة أو منطقة ما، ولكنه لم يعلن ولم يفصح عن أسباب الفشل لكل عملية كان مصيرها الفشل. تماماً كما هو في العملية العسكرية الأخيرة التي أعلن عنها في تعز، ووصلت إلى طريق مسدود، وسط غموض وتكهنات بشأن الأسباب والعوامل التي ساهمت في فشل العملية.
مصادر عسكرية رفيعة وموثوقة، تؤكد، لـ«العربي»، أن الأسباب متعددة وكثيرة، 50% منها تتعلق بصراع وحسابات الأطراف الداخلية التي تقود الحرب، إضافة إلى العوامل المتعلقة بالجغرافيا وغياب التحضير والإمكانات، و50% تتعلق بحسابات «التحالف» و«طريقة التحرير التي يريدها هو لا كما يريدها أبناء تعز».
بحسب المصادر العسكرية، فإن «التحالف العربي»، كان «جاداً هذه المرة في التحرير مقارنة بالمرات السابقة والعمليات السابقة التي أطلقت في تعز، عكس الأطراف الداخلية». تقول المصادر إن العملية العسكرية بدأ الترتيب لها «عند استدعاء القيادات العسكرية والسياسية الى الرياض، وهناك ناقشت قيادة التحالف الخاصة بالإشراف على تعز معهم جوانب التحرك وخطة التحرير العسكرية الجديدة».
قيادة «التحالف» الجديدة، وعلى رأسهم القائد الجديد، بحسب المصادر، أكد الموقف لقادة تعز العسكريين، قائلاً لهم إن «فكرة تحرير تعز ترفضها السعودية والإمارات وصناع القرار السياسي في الدولتين، وعلى رأسهم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وذلك بسبب الصراع الكبير بين أطراف تعز، وعدم توحدهم واتفاقهم على عملية التحرير ولكنني أقنعتهم ووعدتهم بنجاح العملية هذه المرة وأريدكم أن لا تخذلوننا هذه المرة ونحن على استعداد كامل في المساندة من كل النواحي».
تمويل المعركة سبب أول
إتفق القادة العسكريون، وعادوا إلى تعز، وكان الخلاف الأول عند توزيع الدعم وصرف الأموال. فـ«التحالف»، وبحسب المصادر، يقوم بصرف «مبلغ موحد لكل الأطراف، ولكل الألوية، رافضاً الطلب الذي يطرح فكرة بأن يكون تقديم الدعم بناء على حجم وقوام كل طرف، فهناك لواء عدد أفراده أكثر من عدد اللواء الآخر بأضعاف، ولكن التحالف يرفض التعامل مع هذا الطرح، وتعتبر الألوية العسكرية المحسوبة على جماعة الإصلاح بأن هذا الأمر وراءه إقصاء للإصلاح وتقوية بقية القوات الأخرى عليه، والدفع به نحو السيطرة على حساب القوة المحسوبة على الإصلاح وعلى علي محسن الأحمر».
وكشفت المصادر العسكرية، أنه إلى جانب الخلافات على حجم الدعم الذي يفترض أن يقدم، اكتشفت قيادة «التحالف» أن «قيادة المحور وقائدها خالد فاضل والمحسوب على حزب الإصلاح استلم من الرئيس هادي واللواء علي محسن الأحمر، مبلغاً وقدره ثلاثة مليارات ريال يمني، حينها طالب التحالف من قيادة المحور بتسليم المبلغ لها، على اعتبار أنها ستقدم مبلغاً موحداً لكل طرف، إلا أن قيادة المحور رفضت، وقالت إنها قد تصرفت بجزء من المبلغ وقامت بشراء أسلحة وذخائر، ولكن التحالف طالبهم بما يثبت ذلك».
وتتابع المصادر: «حاولت قيادة المحور أن تحل الإشكال بأكثر من طريقة، فقررت تقسيم المبلغ بينها وبين بقية الأطراف، حيث أبدت استعدادها في بداية الأمر بتقديم مائة وخمسين مليون ريال لـ(أبو العباس)، إلا أنه رفض وقال: كيف حسبتم؟ أنا أريد النصيب الحقيقي».
كل المحاولات في احتواء الخلاف على مبلغ الثلاثة مليارات لم تنجح، وحينها قرر «التحالف» عدم التقديم لقيادة المحور، المبلغ الذي سيقدمه هو لكل طرف مشارك، وأبلغ قيادة المحور بأن الثلاثة مليارات هي موازنته في هذه المعركة.
إنطلقت معركة «التحرير»، وذهب الكل للمشاركة، ولكن قيادة المحور في تعز لم تكن راضية عن امتناع «التحالف» عن تقديم الدعم لها، لتسير الأمور بطريق العناد، والحسابات التي حسبها كل طرف، فكان الفشل.
هادي يعاتب قيادة المحور في اتصال هاتفي
وكشفت المصادر العسكرية، لـ«العربي»، أن الرئيس هادي، وعلى خلفية انزعاج «التحالف» من تقديمه الدعم الخفي لجماعة «الإصلاح» والقوة المحسوبة عليهم، أجرى اتصالاً هاتفياً بقائد المحور، وعاتبه كثيراً وبقسوة، متسائلاً: «كيف انكشف الأمر؟ وكيف اعترفتم بالمبلغ الذي قدمناه لكم سراً؟».
وعن انكشاف الأمر لدى «التحالف»، قالت المصادر إن القيادات العسكرية في تعز «ترفع تقارير للتحالف عن بعضها البعض، تقارير استخباراتية، خصوصاً في ظل السباق على الدعم وفي ظل الصراع القائم والمحسوب والمصنف. ولهذا كان من الطبيعي أن يعرف «التحالف بالدعم الذي قدمه الرئيس هادي ونائبه الأحمر سراً لقيادة المحور».
وعلى الرغم من الخلاف، قرر «التحالف» السير في العملية العسكرية، وأثناء سريانها وفي فترة المواجهات كان «التحالف» حريصاً على إنجاحها، حيث تقول المصادر إن «التحالف أطلق ما يقارب 222 غارة خلال الأسبوع الأول من المعركة، مكثفاً دعواته للأطراف بالحزم والتحرك الجاد في إطار الجبهات»، وأطلعت المصادر «العربي» على بعض الرسائل التي كانت قيادة «التحالف» توجهها صباح كل يوم، ومن بين تلك الرسائل رسالة تقول «اليوم شدوا حيلكم يا رجال. اليوم نريد الخمسين وغداً نريد الستين. ها هي طائراتنا الآن تحلق فوق الخمسين وتساندكم»، وهكذا ظلت الرسائل توجه بين الساعة والساعة واليوم والآخر، ولكن كل تلك التحركات وصلت إلى طريق مسدود.
المصادر كشفت أن «التحالف انزعج كثيراً من القادة العسكريين، لدرجة أنه وصل به لأن يقول للقادة أثناء اتصالاتهم بقيادة التحالف: الذي سيتقدم يتصل بنا والذي لا يتقدم لا يتصل بنا». وجاءت ردة فعل «التحالف» هذه أيضاً، بعد أن استطاع اللواء المعني بتحرير الصلو، بقيادة القيادي عدنان الحمادي، المحسوب على تيار «الناصريين»، من إحداث تقدم. الأمر الذي فهم لدى «التحالف» بأن «الإصلاح» يعمل على خذلانهم، و«الإصلاح»، بحسب معلومات «العربي»، يتحكم بـ 50% من القوة المتواجدة في تعز، وتعتبر تحت سيطرته.
غياب التنسيق
إلى جانب عدم جدية قيادة المحور وإعلانها اكتمال مبلغ الثلاثة مليارات، بعد مرور أسبوع، كانت هناك أسباب أخرى أيضاً ساهمت في الفشل، ومن بين هذه الأسباب، وفقاً لمصادر «العربي»: «عدم توفر الخبرة العسكرية لدى قيادات الألوية، وعدم توفر التنسيق، بين كل الجبهات وبين القادة العسكريين، إضافة الى عدم التحضير الجيد والمحكم للمعركة وبناء على تكتيك مدروس وخطط مدروسة».
أسباب أخرى ونتائج صادمة
وتشير المصادر إلى أن من بين تلك الأسباب أيضاً «حجم الخسائر في صفوف الأفراد، في الأيام الأولى من المعركة، خصوصاً الخسائر التي سقطت نتيجة الألغام المزروعة، والتي مثلت عائقاً كبيراً أمام أفراد الجيش»، حيث أكدت المصادر سقوط «ما يقارب 35 فرداً بالألغام، وكان مصيرهم حالة بتر».
وكشفت المصادر لـ«العربي» أن «الحالات التي تسقط بالألغام، يكون ممكن علاجها ولكن عدم توفر كادر طبي متكامل، وإمكانات طبية، تدفع بالأطباء أثناء وصول الحالة إلى المستشفى إلى القيام بالبتر، باعتبار أن الكادر الطبي الذي يجب أن يكون متوفراً مقارنة بالحالات الواصلة غير موجود، ولهذا يقررون البتر خشية من موت الشخص نتيجة النزيف».
هذه الجوانب، وبحسب المصادر، أثرت يشكل كبير على نفسية ومعنوية المقاتلين، وجعلتهم يترددون في التقدم، خصوصاً أنه يتم الزج بهم إلى المعارك والجبهات بدون كاسحات ألغام وبدون أي إجراءات أو تعليمات بهذا الخصوص.
خليك معنا