ظل سعر صرف العملة المحلية في اليمن في حالة مستقرة منذ بداية الحرب التي شنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات ضد اليمن في مارس 2015، حتى أغسطس 2016 ومن ذلك الحين وحتى اليوم يشهد الريال اليمني تدهوراً لم يسبق له مثيل.
كان سبب استقرار سعر الصرف بداية الحرب هو الاتفاق بين رئيس الوزراء اليمني السابق خالد محفوظ بحاح ومحافظ البنك المركزي السابق محمد عوض بن همام، وكان الاتفاق ينص على تحييد الجانب الاقتصادي عن الحرب، وعلى هذا التزم بن همام بإبقاء البنك المركزي محايداً ولم يتحيز لأي طرف، وبعد أن تجاوزت الحرب عاماً ونصف بدأت سلطة هادي بالضغط على بن همام ودفعه لاتخاذ إجراءات تستهدف صنعاء اقتصادياً، فرفض الأخير العمل مع هادي ومن معه وفق ما يسعون له.
طلبوا من بن همام أن يقبل بنقل البنك المركزي إلى عدن والانتقال للعمل من هناك، لكنه رفض، وهو الأمر الذي دفع إلى إقالته وتعيين منصر القعيطي بدلاً عنه، في ذلك الحين كان قد تم تعيين أحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة خلفاً لبحاح الذي رفض هو الآخر نقل البنك المركزي إلى عدن واستخدام الورقة الاقتصادية في الحرب ضد صنعاء.
بعد تغيير بحاح، شرع أحمد بن دغر بمخاطبة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعدم التعامل مع البنك المركزي في صنعاء لعدم انصياع بن همام لرغبات بن دغر وهادي، وكان بن همام منذ بداية الحرب وحتى إقالته قد التزم الحياد في إنفاق مبلغ 4.3 مليار دولار فقط هي ما كانت بحوزة البنك المركزي في صنعاء من نقد اجنبي، حسب معلومات من مصادر متخصصة وموثوقة، وكان ذلك المبلغ لا يكفي لتغطية احتياجات السوق المعتمد على الاستيراد من الخارج وبالعملة الصعبة، وخلال عام ونصف ظل بن همام ملتزماً عدم انحيازه لأي طرف من أطراف الصراع، ولهذا هاجم بن دغر بعد تعيينه رئيساً للحكومة، هاجم محافظ البنك بن همام واتهمه بالانحياز لصالح “الانقلابيين” حد تعبيره وخاطب الخارج بعدم التعامل معه، ثم طالب بإقالته.
ومارس إعلام الإصلاح والتحالف حملة تظليل ضد محمد عوض بن همام في تلك الفترة إلى أن تمت إقالته بالفعل واستبداله بمنصر القعيطي الذي عمل لصالح حكومة المنفى وحسب رغبات السعودية بالإضافة إلى دخوله في صراع مع الإمارات بكونها المتحكمة بمحافظة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى التي تسيطر عليها القوات الإماراتية، ورغم إعلان نقل البنك لم يتمكن القعيطي من ممارسة عمله من هناك بسبب صراع الإصلاح مع الإمارات على عدن، وحتى اليوم لا يزال القعيطي مقيماً في العاصمة الأردنية عمّان ولا يملك أي صلاحية لأي إجراء بخصوص البنك المركزي.
ومن 2015 وحتى أغسطس 2016 لم يرتفع سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية سوى 16.3% فقط، حيث كان الدولار الواحد يساوي 250 ريال يمني فقط، ومنذ قرار نقل البنك بدأ سعر الريال بالانهيار بشكل متسارع حتى أتى قرار تعويم العملة الذي زاد الطين بلة بسبب عدم وجود رؤية لإدارة سعر الصرف بعد هذا القرار الذي يسمح للسوق بتحديد سعر العملة فيما يبقى البنك المركزي مراقباً للتداول النقدي في السوق بالإضافة إلى تقدير ما يتم إنفاقه على السلع المستوردة بهدف الحفاظ على السيولة النقدية من العملة الصعبة، وهو ما لم يحدث إطلاقاً بعد ذلك.
يقول الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية رشيد الحداد إن حكومة هادي كامل المسئولية عمّا آل إليه البنك المركزي في عدن وعن فشلها في تحصيل ايرادات مايقارب 85% من أراضي البلاد قالت انها واقعة تحت سيطرتها، ويضيف: “كما تتحمل مسؤولية لجوءها إلى طباعة أكثر من 620 مليار ريال لتمويل نفقاتها الخاصة بدون غطاء نقدي، وفشلها حتى اليوم بفتح اعتمادات مستندية للتجار وتمويل الواردات الأساسية على الرغم من أن وزارة الخزانه الأمريكية رفعت الحظر عن الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي في منتصف يوليو من العام الماضي وأعلنت حكومة بن دغر تدشين ذلك في عدن في نفس الشهر”.
كما يكشف الحداد في تصريح خاص لـ”المساء برس” أن لدى صنعاء كافة الوثائق التي تؤكد أن القعيطي وحكومة هادي التزما بكافة مهام البنك المركزي وهو ما لم يحدث إطلاقاً من قبلهما وعلى رأس هذه المهام، الالتزام بالهدنة الاقتصادية التي كانت سائدة قبل قرار نقل البنك، ويضيف الحداد: “من انقلب على هذه الهدنة هو المسؤول مسؤولية كاملة عن تدهور سعر العملة اليمنية وهو المسؤول عن إيداعات الناس وحقوقهم المالية والوثائق موجودة وتثبت ذلك وهم لا يستطيعون الإنكار أمام البنك وصندوق النقد الدوليين”.
استطاعت صنعاء حين كان البنك المركزي لا يزال فيها، الحفاظ على استقرار سعر العملة، بينما عدن فشلت في الحفاظ على سعر العملة بل عملت إلى إضعافها وتقليل قيمتها بشكل متعمّد ولأسباب غير مفهومة سوى أنها تندرج في إطار حرب اقتصادية تستهدف ضرب اقتصاد اليمن بالكامل وليس فقط حكومة صنعاء، وهذا بالإضافة إلى عدم التزامها بدفع رواتب موظفي الدولة، بينما كانت صنعاء تدفع الرواتب قبل نقل البنك ونقل المركز المالي إلى عدن.
حالياً كل الإيرادات تصل إلى مأرب وإلى عدن، عائدات النفط المباع تصل إلى البنك المركزي في عدن، ورغم ذلك لا يعرف أين تذهب تلك الأموال، كما لا توجد معلومات بشأن المبالغ المالية التي تمت طباعتها في روسيا دون غطاء نقدي وهو قرار تسبب بكارثة اقتصادية ترقى لجرائم الحرب.
في حين يظل الحل بيد حكومة المنفى وهو التحرك الفوري لتغطية العجز في سعر الصرف وتعويض فاقد قيمة العملة كي تتعافى أو إلغاء قرار نقل البنك المركزي وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أغسطس 2016، أي قبل نقل البنك من صنعاء إلى عدن، طالما لا تستطيع تلك الحكومة العمل والتحكم بالبنك المركزي في عدن تحت سيطرة الإمارات.
خلاصة القول أن طيلة عام ونصف وهي الفترة التي بقي فيها البنك المركزي تحت سلطة جماعة أنصار الله ظل سعر الصرف خلال تلك الفترة مستقراً ولم يرتفع خلال العام والنصف سوى من (218 – 250 ريال يمني) للدولار الواحد، بينما ارتفع السعر في ظل سيطرة حكومة هادي وخلال فترة عام و3 أشهر فقط من (250 – 500 ريال) للدولار الواحد.
المصدرـ المساء برس
خليك معنا