| بقلم:جمال عامر|
صار الحديث عن السلام في اليمن أشبه بحكايات الجدّات عن الأساطير القديمة التي تقال للأطفال في المساء كي تساعدهم على النوم. ومن خلال لقاء لكاتب هذه السطور مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، أثناء زيارته إلى القاهرة في الـ 16 من الشهر الجاري ـ هو من دعا إليه ـ تأكد لي أولاً حرج موقفه كوسيط يبدو مقيداً برغبة النظام السعودي في تحقيق انتصار غير مكلف، وتتواطأ معه أنظمة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وثانياً موقف الطرف الثاني الممثل بقوى الداخل الذي فقد ثقته به واصبح يطالب علنا باستبداله، مع أن الداء يكمن في غض طرف الدول المستفيدة من بقاء الحرب لتشغيل مصانع أسلحتها. ولذا، فإن مسألة الرهان على البديل في أن يحدث تغييراً يذكر، هو رهان في غير محله.
خلال اللقاء الذي تجاوز الساعة بعشرة دقائق، ومن خلال ماهو مسموح أخلاقياً بالحديث عنه، لم أسمع عن إسماعيل ولد الشيخ فكرة مقنعة يمكن أن تخلق تفاؤلاً أو تشجع على التعاطي، فضلاً عن أن تقود إلى حل ممكن.
إذ إن الرجل يبدو محملاً بمهمة، أكثر منها مبادرة قابلة للنقاش، حيث تنحصر هذه المهمة في السعي لتسليم الحديدة قبل الحديث عن أي شيء آخر، مع ما في ذلك من مجافاة للواقع وعدم منطقية، وهو ما قلته حرفياً للمبعوث الأممي.
وخطة ولد الشيخ كما حكاها تتمثل في التالي:
– تسليم الحديدة بمينائها إلى لجنة عسكرية يختارها الطرفان، هادي وقوى الداخل، ويجنّد مع هؤلاء ما يقارب الـ3000 عسكري يكون معظمهم من تهامة، يتولون هم حماية المدينة التي ستنسحب منها قوات الجيش و«الحوثيين» إلى مسافة تصل الى مئة كيلومتر أو بحسب ما يتم الاتفاق عليه.
– يتولى رجال الأعمال تشغيل الميناء، الذي قال إنه قد تحدّث معهم، ومنهم بيت هائل وأخوان ثابت، وعدد آخر من الغرفة التجارية، حيث يقوم هؤلاء بتوريد الإيرادات إلى حساب خاص تشرف عليه الأمم المتحدة، مضيفاً أنه يمكن ـ وليس أكيداً ـ أن تورّد إيرادات بقية الموانئ إلى الحساب ذاته بحيث يتم صرف مرتبات جميع الموظفين. وعلى الداخل أن يقوم بذلك من أجل تهدئة مخاوف «التحالف» وحكومة هادي، باعتبار أن الحديدة تمثل دخلاً مادياً يشارك في تمويل الحرب، كما نقل عنهم، وبعد ذلك بزمن لا يعلم أمده، يتم الولوج بالحديث عن السلام الشامل.
سألته عن هذا المجنون الذي يمكن أن يقبل بمناقشة مثل هذا الطرح، فضلاً عن الموافقة على أن يسلم ظهره وآخر منفذ له لعدوه الذي يجهد في قتاله بصرواح ونهم والبيضاء، ويسعى لفتح جبهات جديدة لقتاله فيما الطائرات الحربية لا تتوقف عن ضربه ليلاً ونهاراً. واجهته بصدق عن فقدان الشارع قبل السياسيين الثقة بقدرة الأمم المتحدة على الفعل، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تكون ضامنة لأي اتفاق يمكن أن يتم بعد أن وعد هادي بصرف مرتبات الموظفين، الذي كان ممهداً لنقل البنك المركزي إلى عدن، ولم يفِ، ومثل ذلك إعادة فتح مطار صنعاء الذي لا يمثل إغلاقه أي استراتيجية أمنية أو عسكرية بقدر ما هو عقاب للشعب اليمني، ورسالة عن تعالي «التحالف» واستهزائه بمطالب منظمته الأممية.
في المقابل، أكد ولد الشيخ أن الأمم المتحدة ليست دولة ولا تملك جيشاً لإجبار أي طرف على الالتزام بأي اتفاق، بما في ذلك فتح مطار صنعاء، مع تأكيده على أن موقفه لم يتزعزع بضرورة فتحه، ومن أنه ردّ على من أعاد السبب إلى كونه ليس آمناً، بأن طائرات الأمم المتحدة، ومنها الإغاثية، تهبط فيه.
أما في ما له علاقة بتسليم المرتبات، فقد ربطه ولد الشيخ بضرورة تسليم الحديدة، باعتبار أن الـ400 مليار التي تم طبعها في روسيا، قد تم استنفاذها بصرف مرتبات الشهور الماضية، مشيراً إلى أن المرتبات لا تملك ديموميتها إلا من خلال إيرادات الدولة.
على أية حال، لا يمكن فهم حديث مبعوث الأمم المتحدة إلا باعتباره حاملاً لمقترحات جاهزة من قبل السعودية والإمارات تحديداً، تقود إلى تسليم الحديدة، بعدما ظهر أن معركتها ليست بالسهولة التي تم تصويرها للدولتين، وبالذات بعد تخلخل الجبهة التي كان الجنوبيون أهم وقودها بالتوازي مع:
ـ استمرار الحرب في جميع الجبهات وعلى وجه الخصوص نهم وصرواح وميدي وفتح جبهات جديدة .
ـ سحب الشرعية المتمثلة بمجلس النواب من خلال المحاولات المستميتة لعقد جلسة بنصاب كامل في عدن لا زال التحضير جارياً لعقدها.
ـ محاولة خلخلة الجبهة الداخلية الممثلة بـ«المؤتمر» و«أنصار الله» بغرض كسر المركز في صنعاء وإدخال العاصمة في حرب تفقد أي طرف الادّعاء بتمثيل الدولة.
ـ تحويل اليمن إلى كانتونات صغيرة متناحرة مع استمرارها بمنع تسليم مرتبات الموظفين.
لذا ومن موقع المستقل، أكدت لـولد الشيخ استحالة تعاطي قوى الداخل مع مهمة كهذه، وأن عليه أنْ يطرق الباب الذي يمكن أن يؤدي إلى الحل، والذي تملك المملكة العربية السعودية مفاتيحه، في حال تخلّت عن كونها تخوض حرباً وجودية ضد «الحوثيين».
خليك معنا