لا يحسن في مطابخ العدوان العسكرية والاستخباراتية والإعلامية أن تضارب على تمزيق الجبهة الداخلية الوطنية في اليمن، أو أن تراهن على اندلاع نزاع مسلح في عاصمة الصمود والتحدي صنعاء، بعد 24 أغسطس، بين إخوة الدم والقضية ورفاق البندقية الشريفة!
رهان كهذا ـ من قبيل مناصحة العدو ـ ليس أكثر من ولوج دورة تبديد وقت ثمين للغاية بالنسبة لتحالف عدوان تستشري التناقضات في بنية مكوناته الرعوية النفطية كالبرص، وتتفاقم إخفاقاته العسكرية بمرور الوقت ساحبة نفسها على تلك المكونات في صورة زلزال ارتدادي يوشك أن ينسف مداميكها وعروشها الوظيفية الهشة بالأساس.
24 أغسطس الثوري الوطني الذي أرادت له مطابخ العدو أن يكون يوم الزينة وأن يحشر الناس قبلاً، أسفر عن عصا شعبية ربانية لقفت وتلقف ما يأفكه «شامانات التحالف» المبثوثون في الداخل اليمني، والمتخذون من مناهضة العدوان طاقية إخفاء، ومن السلام ذريعة لتمكين الآلة الحربية للعدو من المرور إلى غاياتها القذرة والعاثرة بسلام، ومن الشارع المكلوم والمثخن بحراب قرصنة العدوان وحصاره لغماً ينفجر تحت أقدام المجاهدين الذائدين عن العرض والأرض والتاريخ والكرامة الوطنية، لا تحت أقدام جحافل الغزاة وشذاذ الآفاق وجنازير الـ«أبرامز» والـ«برادلي» الزاحفة على ترابنا في أكبر عملية سطو تاريخية بمؤازرة عالمية.
أحرى بالعدو، بعد 24 أغسطس الذي انقلب فيه السحر على الساحر، أن يلملم حطام ما تبقى من أدواته الداخلية الخائبة والمحبطة والمصدومة نفسياً إزاء قدر اليقظة والجهوزية التي أظهرتها القوى الثورية والوطنية، ولم تكن في حسبان «جوانتيات» وقفازات وجوارب «التحالف» ومطابخ خبرائه النفسيين والإنثروبولوجيين، وبروفيسورات منجّميه وكهنته ومحلليه وإعلامييه من ضاربي الودع وقارئي الكفوف والفناجين…
أحرى بالعدو أن يجمع ما تبقى من نفايات محلية نافقة، ليكدسها في مقالب خردوات شرعية العمالة والعهر، في الرياض وأبوظبي والقاهرة ولندن، وإن كانت غير قابلة لإعادة التدوير بغرض الإنتفاع منها على حد مقولة الزعيم بشار حافظ الأسد.
لا أحد بوسعه اجتثاث الوجود اليمني المديد والماكر وذي المخيال الثوري المنتج لأدوات وأساليب الدفاع عن النفس إلى ما لا نهاية. وقد تأكد للعدو في مضامير الإشتباك العسكري والنفسي مع شعبنا العظيم لزهاء ثلاثة أعوام، أن الحرب الكونية التي استهدف من خلالها وأده ودفنه، كانت ـ على النقيض من حساباته ـ مخاضاً لسلسلة ولادات كماً وكيفاً على مختلف الأصعدة، بينما أظهرت المواجهة عجزاً وجودياً أصيلاً ومستفحلاً في بنية دول العدوان الكمبرادورية، يتفاقم يوماً عن يوم منذراً بتلاشي هذا الوجود الإعتراضي الطافر بالضد للجغرافيا والتاريخ وحقائقهما الموضوعية.
عوضاً عن أن تنخر فئران مجارير النفط عبثاً في سد الوجود اليمني المتجذر والمتجدد، يجدر بها أن تولي عنايتها وجهدها ومالها لتلافي انهيار ممالك وإمارات الزجاج العائمة على بحيرة نفط على وشك النضوب… ووجودات زجاجية مرهونة بجرة مقلاع يمني حر، ومدن ملح على شفا بصقة وتزول.