تتظاهر الولايات المتحدة الأمريكية بحرصها الشديد على البلدان ومخاوفها من التقسيم , وهذه أشياء لا يمكن التصديق بها بتاتا ً , لأن ما تدعو إليه واشنطن بالإعلام مخالف تماما ً لأفعالها على الأرض , وهذا واضح للعيان , والواضح والجلي أيضا ً هو عدم الوثوق بها لجهة إبرام أي اتفاق أو مجرد تفاهم غير مكتوب , فهي التي تعمل بموجب المثل الانكليزي الشهير , ابتسم واحمل العصا الغليظة .
واشنطن تنتهج سياسة ماكرة ومرجعها للماكر والداهية والذي لا تزال بصماته واضحة في السياسة العامة الأمريكية ( هنري كيسنجر ) وهو الذي نذر حياته وخبرته في سبيل الكيان الصهيوني , والآن يعمل كمرجع سياسي مخضرم يقتدى به وبتعليماته , والرؤساء الأمريكيون لا يتورعون بالاتصال به للاستفادة من دهائه ومكره الذي يتمتع بهما , هذا الماكر ومنذ أيام قليلة صرح للإعلام عن تنبوءاته والتي تقول أن هناك سبع دول سيحل بها الدمار والخراب !
بطبيعة الحال وبطريقة التلمس لهذه السياسة الأمريكية الخبيثة , وبطريقة النتائج أيضا ً نجد وكمحصلة للتوجيهات والتوصيات من اللوبي الصهيوني الفاعل الأكبر على الساحة الأمريكية وكيسنجر لا يبعد أبدا ً عنها , واشنطن والكيان الصهيوني هما المستفيدان من كل الأحداث والعواصف التي يشهدها نصف الوطن العربي من التأجيج للخلافات ..
الأزمة السورية وعنوانها الاستمرار فيها , والاستنزاف الهائل بالأرواح والمال باليمن , والاستقطاب الدولي للأطراف الليبية , والحرب المستمرة في العراق ومطاردة التنظيم الإرهابي ( داعش ) كل ذلك يسير وفق الرؤية الصهيو- أمريكية والدور الأكبر لهما يبدو كـ السيغمان الضاغط .
هذا المثبت ( السيغمان ) الصهيو – أمريكي , تجلى بالتصريحات التي رافقت الأزمة السورية منذ بدايتها عندما أعلنوا بكل وضوح باستحالة الحسم العسكري في الأزمة السورية . فالإجراءات المتبعة على الساحة السورية تثبت ذلك , لأن الأزمة السورية تدحرجت ككرة الثلج ولكن ليس تلقائيا ً بل كان بمثابة التدحرج المبرمج , لأن سورية وما تحمله من إرث مقاوم للمشروع الصهيوني في فلسطين والجولان ولبنان وضد أي توجه صهيوني في الوطن العربي كان لا بد من الاستهداف والعمل على إزاحته والعمل إضعافه وزجه في أتون حرب أهلية وطائفية …
تأمين المنطقة الجنوبية السورية , هو تأمين للكيان الصهيوني والذي وضع الفيتو , وبمساعدة الأردن , فالكيان الغاصب حدد للولايات المتحدة الخطة التي يجب أن تتبع ومفادها لا يخف على أحد , إبعاد إيران والدولة السورية عن هذه المناطق , وحتى الفصائل المعارضة المسلحة وضع لها برنامج للتسليح والتحرك فالأمريكيين ملزمين بأمن إسرائيل , ولا يهمهم ما تؤول إليه الأمور بباقي المدن والقرى السورية الأخرى , فإسرائيل لها الدور الأكبر في الأزمة السورية ولها بصمات واضحة بالتدمير الحاصل , وربما تضع فيتو آخر على عدم التوصل لحل ينهي الأزمة على المدى القريب حتى تضمن الدولة المارقة مدى الاستفادة من التدمير الهائل للدولة السورية التي تظل تقلق الكيان الصهيوني على مر السنوات .
واشنطن تعيش حالة تخبط على خلفية الأزمة السورية , واستمرارها يكشف العيوب السياسية لهذه الدولة التي تقدم نفسها بالدولة الديمقراطية والضامنة لاستقرار الأمن والسلم الدوليين , لأن روسيا تقود هذا الانكشاف وتجلى ذلك بالعقوبات الأخيرة والتي وقعها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على روسيا وإيران وكوريا الشمالية , والتي اعتبرها بالقرار المعيب , وأنه تعرض للضغط من خلال الكونغرس , والتخبط يستمر بالتحقيقات الجارية مع نجل الرئيس الأمريكي واتهامه بالاتصال بمحامية روسية على خلفية الانتخابات الرئاسية , والاستقالات المستمرة برجالات ترمب .
وآخرها تهديد وزير الخارجية ريكس تيلرسون وبالاستقالة واتهامه لترمب بضياع هيبة الدولة الأمريكية على خلفية التراخي والتراجع بالكثير من القرارات والتابوهات الأمريكية , وربما حصلت صفقة لبقاء تيلرسون بالمنصب خشية أن تقود لفضيحة كبرى لترمب وخصوصا ً لتكرار هذه الحالة أي الاستقالات والتي سجلت حالة غير مسبوقة لأي رئيس أمريكي سابق , فالصفقة تمت , وترمب رضخ للصقور في الإدارة .
التدمير مهنة من لا يجيد البناء , فواشنطن لا يمكن أن تنتهج البناء سياسة تمتاز بها وهذا محال كالفيل في خرم الإبرة . والبناء المقصود هو البناء للنموذج الأمريكي في الدول التي يتم فيها الحرب , والإتيان بالشخصيات التي تربت وترعرعت وفق الرؤية الأمريكية , ووضعها لتنفيذ البرامج الأمريكية الخالصة , والعمل ضد المفهوم الوطني , واستبدال الطموحات الوطنية ببرامج خيالية بعيدة كل البعد عن الآمال المرجوة ببناء وطن مستقل يتمتع بسيادة كاملة على أراضيه بعيدا ً عن واشنطن وعملائها , وكيسنجر حي ٌ يرزق وتوصياته وتوجيهاته واضحة .