يتصرف هادي من الرياض كرئيس مغامر يستطيع تذكير أبو ظبي أنه لازال الرئيس الشرعي ، وأن عاصفة الحزم لن تتخلى عن كليهما “الشرعي والرئيس″، وإن فعلت فستسقط شرعيتها وتتحول دولياً إلى عدوان وليس حرباً من أجل إعادة الشرعية ، استمرت حالة التأزم بين هادي والإمارات تتفاقم حتى في ظل تدخلات المملكة ، إلى أن أصبح الرئيس المدعوم من دول التحالف العربي “رئيس عاطل” وغير قادر على العودة إلى عدن ، فالمطار والميناء لا يخضعان لقوات حماية تدين له بالولاء كرئيس.
عقب إقالة هادي لنائبه خالد بحاح ثم عيدورس الزبيدي محافظ عدن المقال وهاني بن بريك وزير الدولة المقال انتقلت المواجهة بين هادي والامارات إلى طور جديد ، فبرغم تعطيل صلاحياته المتعلقة بقرارات إقالة وتنصيب مسؤلين حكوميين “مدنيين وعسكريين” عقب تشكيل ما عرف بـ”اللجنة الثلاثية” ، وهي اللجنة التي باتت تتمتع بصلاحيات اتخاد القرارات والإشراف عليها بدلاً عن هادي ، وتضم اللجنة التي تم تشكيلها في جدة ممثلاً عن المملكة السعودية وممثلاً عن دولة الإمارات إضافة لـ علي محسن نائب هادي في الرئاسة ، وبالتالي فإن تجريد هادي من صلاحياته ، وإبقاءه رهن إقامة جبرية في الرياض وعدم السماح له بالعودة إلى مدينة عدن أثارته على أعلى المستويات ، انتظر هادي لقاء الملك سلمان أو حتى المسؤل الأول عن العاصفة وحين تعذر عليه الأمر انتهز إجازة العيد وأصدر آخر قراراته بإقالة ثلاثة محافظين أعلنوا تأييدهم للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي محافظ عدن المقال وينوبه هاني بن بريك وزير الدولة المقال ، وعين من قيادته المقربة بدلاً عنهم في حضرموت وشبوة وسقطرى في تحدٍ صارخ للجنة الثلاثية.
الآن الهدف العملي في مدينة عدن هو في التحريض ودفع المقالين من قبل هادي إلى تزعم الشارع لتقويض شرعية الحكومة وتنصيب شرعية بديلة تخضع لهندسة تتفق مع مواصفات أبوظبي التي تتمدد على نطاق واسع في الجنوب مستفيدة من حالة اللاحرب واللاسلم وتحقيق أهدافها بانسجام مع الرياض ، الرياض التي تبدو متفرغة لحراك دولي أبعد ، وتلعب بارتياح بعد توسع مساحة المناورة أمامها منذ الرئاسة الترامبية وبعد أن سلمت لها الولايات المتحدة الملف اليمني لتتصرف فيه بحرية مفتوحة وبأجل غير مسمى.
إذاً خرج الصراع إلى العلن ويكاد الأمر أن يخرج عن السيطرة أيضاً، ما يعني أن موجة من صراع النفوذ تنتظر مدينة عدن وتمضي نحو الذورة ، وأن تعدد الأقطاب المسنودة بالقوة يتيح أمامها خوض تنافس محتدم على إدارة المدينة والمناطق الجنوبية .
ويرى مراقبون أن تحذيرات رئيس وزراء الحكومة المدعومة من التحالف العربي واحدة من أهم المظاهر التي تعيشها مدينة عدن والمدن الجنوبية ، وأن تحركاته ونشاطه في الأيام الأخيرة وتعمده تفقد وزيارة المناطق التي تتكتل فيها قيادات معارضة للحكومة تأتي رداً على تهديدات المجلس الانتقالي الجنوبي للحكومة بتدخله في إدارة المحافظات الجنوبية وانقاذها من فشل الحكومة وربما طردها، أحمد عبيد بن دغر الذي طاف مدينة عدن أراد أيضاً الاستعراض وتحدي القوى المسلحة التي لا تخضع لسلطة حكومته وتتجول في المدينة باريحية مطلقة ، ولربما بدت أول مظاهرها بشكل يخل بوجود الدولة ليل الجمعة الماضية بانتشار أعداد كبيرة لقوات مكافحة الإرهاب تابعة للمحافظ المقال ، خرجت إلى شارع المعلا الساحة المعدة لاحتفال الحراك بذكرى 7 يوليو في خطوة وصفها كثيرون بأنها استعراض من قبل عيدروس الزبيدي محافظ عدن المقال ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ، ما يعني أن دولة داخل الدولة الغائبة أصلاً تتواجد الآن بكثافة وفي كامل المناطق التي تحضر فيها أشكال الدولة.
لا السعودية ولا الإمارات قادرة على التخلي عن هادي على الأقل في الوقت الحالي وإلى أن تنتهي عمليات عاصفة الحزم ، غير أن خلط الأوراق وتعدد اللاعبون والقوى المدججة بالسلاح هو ما يعزز خطورة احتمالية دخول البلاد في جولة جديدة من الصراع الجنوبي الجنوبي على نحو محتدم يتم التحضير له في عدن ، وهو ما عده البعض قراءة موضوعية لرئيس وزراء حكومة عدن التي حذر منها وتنبأ بإرهاصات وتحركات ميدانية لم تعد خافية ، ما يرسم ملامح سوداوية لمستقبل الجنوب في المرحلة القادمة ، قد تعيد أحداث يناير في ثمانينات القرن الماضي إلى الواجهة ، إذ شهدت مدينة عدن أسوأ اقتتال بين الفرقاء الجنوبيين “الزمرة والطغمة” والتي سقط فيه آلاف القتلى ، وهو ما ذكر به رئيس وزراء الحكومة المدعومة من قوات التحالف العربي .
في تراتيب الأحداث التسلسلية وقبل أن تتضح تحذيرات رئيس الوزراء في عدن على ذلك النحو العلني ، خرج الوزير المقال هاني بن بريك وهو نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي مهدداً بحسم المعركة عسكرياً مع الحكومة الشرعية اليمنية حسب تعبيرة قائلاً أنهم مستعدون للجوء إلى السلاح دفاعاً عما أسماه الذود عن الكرامة ، وغرد بن بريك على حسابه “تيوتر”: (لم نضع سلاحنا بعد ولم تجف دماء شهدائنا ولم تبرأ جراح جرحانا ، ومن أدمن ساحات القتال واستنشق البارود مستعد للذود عن كرامته وذاك عشقه وإدمانه) ما يترجم سيناريوهات مواجهة مقبلة تنتظر المحافظات الجنوبية وتجعلها مفتوحة على أكثر الاحتمالات خطورة .