الضّغوط تتصاعد على الرئيس البشير لسَحب قوّاته من اليَمن.. وسياسة الحِياد لم تُرضِ أي من الطّرفين.. هل يَفعلها ويتّخذ القرار الصّعب؟ أم يَستمر في المُناورة لأطولِ وقتٍ مُمكن؟
حيث تتصاعد حِدّة الأنباء التي تتحدّث عن احتمالات إقدام السّلطات السودانيّة على سَحب قوّاتها من اليَمن، بعد إطالة أمد الأزمة وعَدم نجاحِ “عاصفة الحزم” في إعادة الشرعيّة إلى صنعاء، وتزايد أعداد الضّحايا في صُفوفها، والتزام الرئيس السوداني عمر البشير بالحِياد في الأزمة الخليجيّة المُتفاقمة بين قطر من ناحية، والتّحالف الرّباعي السّعودي الإماراتي المِصري البَحريني من ناحيةٍ أُخرى، وهو حِياد لم يُرضِ أحدًا.
عندما ناقش البَرلمان السوداني هذهِ المَسألة انقسمت الآراء، وظهر تيّار قوي خاصّةً من أولئكِ الذين يُمثّلون الفِكر الإخواني، ويُؤيّدون مَواقف قطر وتركيا، يُطالب بسَحب القوّات السودانيّة، والانحياز إلى دولة قطر التي أقامت علاقات قويّة مع السودان على مَدى السّنوات الثّلاثين الماضية، ولكن بَرز تيّارٌ آخر يُريد الاستمرار في المَوقف الحِيادي، والحِفاظ على علاقات أقوى مع السعوديّة والإمارات اللّتين لَعِبتا دورًا كبيرًا في رَفع العُقوبات عن السودان، وعدم وَضع رَعاياه على قائمةِ الدّول المَمنوعة رعاياها من دُخول أمريكا.
العامل اللافت الذي زادَ من الضّغوط على القيادة السودانيّة لاتخاذ خُطوةِ الانسحاب، حُدوثَ حالةٍ من التملل، ولا نَقول التمرّد، في صُفوف القوّات السودانيّة في اليَمن، جرّاء الزّج بِها في خُطوط المُواجهة، وتَكبّد خسائر بشريّة كبيرة بالتّالي، علاوةً على وجودِ خلافاتٍ بين كُل من أنصار السعوديّة والإمارات على السيطرة على مطار عدن، والدّفع بالقوّات السودانيّة لاحتلال المطار، وإبعاد قوّات الحِماية التّابعة للإمارات، ممّا صَعّد من حِدّة التوتّر وتَعريض هذهِ القوّات السودانيّة لأخطارٍ جَمّة، إلى جانب الأخطار التي تَستهدفها من قِبل التّحالف “الحوثي المُؤتمري”.
الرئيس البشير يُولي اهتمامًا كبيرًا هذهِ الأيّام بمَصلحته الشخصيّة والأموال الضّخمة التي حقّقها بعض أفراد عائلته من جرّاءِ استثمارات في مجالاتٍ مُتعدّدة، وباتَ يتطلّع إلى التّحالف مع كُل من يُساعده في إلغاء قرار محكمة الجنائيّة الدوليّة باعتقاله، وزادت الأزمة الخليجيّة التي انفجرت بين حُلفائه القطريين من ناحية والسعوديين من ناحيةٍ أُخرى، من تصعيب مسألة استمراره في سياسته الحياديّة، وباتَ عليه أن يختار أحد المُعسكرين، لأن مَسك العَصا من الوَسط ربّما يَجعله يَفقد دَعم الجانبين، في ظِل سياسة من “ليس مَعنا فهو ضِدنا”، المُتّبعة خليجيًّا هذهِ الأيّام.
الاستثمارات القطريّة في السودان تُقدّر بحوالي 3.8 مليار دولار، بينما يَبلغ حَجم نَظيرتها الإماراتيّة حوالي 6.7 مليار دولار، ويُحاول الرئيس البشير أن يُوازي بَينهما، ولكن إذا أُضيفت السعوديّة التي تزيد من الملياري دولار إلى الإماراتيّة فإنّ كفّة التّحالف السّعودي الإماراتي هي الراجحة، ولكن هل يُضحّي بها الرئيس البشير لمَصلحة الحِفاظ على علاقاتِه مع قطر؟
من الصّعب الإجابة على هذا السّؤال، لكن تبريرات الرئيس البشير للاستمرار في المُساهمة بالتّحالف العَربي في اليَمن، وأبرزها الدّفاع عن مكّة والمدينة من خَطر الحوثيين، وإعادة الشرعيّة التي يُمثّلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، لم تُقنع إلا أقليّة الأقليّة في السّودان، حيث يَقف أغلبيّة الشّعب السوداني إلى جانب اليمنيين في مُواجهة التّحالف العَربي، ولا يُريدون أن تُوصف قوّاتهم التي تُقاتل في اليَمن بأنّها قوّات “مُرتزقة”.
الخِناق يَضيق على الرئيس البشير، ومُحاولة إطالة أمد المُناورة والابتعاد عن اتّخاذ مَوقفٍ واضحٍ، والتمسّك بحِيادٍ غير مُقنع للطّرفين، ربّما يَقترب من النّهاية، ولا مَناص من الحَسم واتّخاذ قرارٍ واضحٍ لصالح هذا الطّرف أو ذاك.
خليك معنا