الصباح اليمني_مساحة حرة|
من سوء حظ محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة السعودية، أن مصلحته ومصلحة حليفه الرئيس الأميركي السابق أصبحتا متضاربتين، بمعنى أنه كلما صعد نجم ترامب زاد الخطر على ابن سلمان،
وذلك كما قلنا في مقال سابق إن عودة ترامب إلى الساحة السياسية سوف تجعل الحزب الديمقراطي الاميركي يستعجل الخلاص من ابن سلمان خلال فترة حكم الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن، لأن محمد بن بن سلمان الداعم الرئيسي والحليف الاساسي لترامب، وكلا الطرفين لا يستطيع أحدهما الغدر بالآخر، لأن كل منهما يمسك في يده ملفات فساد ضد الآخر، لذلك فمصير أحدهما غالباً مرتبط بمصير الآخر، وهذا ما يقلق الحزب الديمقراطي الذي لن يسمح بعودة ترامب مهما كلفه الأمر.
صدر التقرير الاستخباري الأميركي وذكر اسم محمد بن سلمان صراحة وحمّله المسؤولية من خلال صياغة التقرير بلغة دبلوماسية تحفظ العلاقات بين أميركا والسعودية، وهنا أقول بين أميركا والسعودية وليس بين أميركا ومحمد بن سلمان، فأميركا لا يهمها الأشخاص بقدر ما تهمها مصلحتها مع الحفاظ على سمعتها الدولية، وهذا ما يحاول الرئيس بايدن فعله، طبعاً ليس حباً بالأخلاق، ولكن هذه التمثيلية لا بد منها إذا أرادت أن تكون سيدة العالم.
بعدها عنونت قناة الـ»بي بي سي» على موقعها خبراً بعنوان «دونالد ترامب الرئيس الأميركي السابق يعود إلى الواجهة السياسية ويلمح إلى احتمال ترشحه في انتخابات 2024»، واضافت القناة أن التقارير تنبئ بأن ترامب لا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين ناخبيه، على الرغم من هزيمته في الانتخابات الرئاسية، وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرض لها بسبب أعمال العنف التي وقعت في مجمع الكونغرس.
وقد كشف استطلاع للرأي، الأسبوع الماضي، أن نسبة 46 في المئة من الناخبين الذين صوّتوا لترامب سابقاً، سيصوّتون له مرة أخرى لو أنشأ حزباً جديداً، وأن اغلب الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس أوفياء للرئيس ترامب حيث وقفوا ضد محاكمته، فترامب يتحول شيئاً فشيئاً إلى أيقونة لأنصاره من المتطرفين في أميركا، وربما سيتحول الى ورقة رابحة للحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة، وهذا من سوء حظ ابن سلمان.
يجب أن لا نتوقع من دولة عظمى كأميركا أن تتعامل مع الحدث بضربة واحدة، ما يعرّض مصالحها للخطر، ولكن من المتوقع أن تستغل هذا التقرير أفضل استغلال، ثم تُنهي مستقبل ابن سلمان قبل أن يستحق موعد الانتخابات المقبلة، فلا شيء يضمن عدم دعم ابن سلمان لترامب في الانتخابات مرة أخرى، وقد شاهدنا أن التقرير تبعته عدة خطوات، مثل إدراج الحرس الخاص بمحمد بن سلمان ضمن قائمة الارهاب، كما أن أعضاء الكونغرس قالوا إن التقرير ما هو الا الخطوة الأولى فقط حتى نصل إلى ابن سلمان، وأميركا قادرة على هذا التغيير في السعودية بسهولة، لأنها أولاً متغلغله في كل مفاصل المملكة استخبارياً، وتكاد الدولة تكون معتمدة كلياً على حماية اميركا كما قال ذلك صراحة الرئيس ترامب، وثانياً لأن الظروف الداخلية على مستوى الاسرة الحاكمة والشعب والسلطة الدينية والقبلية والمثقفين والتجار وجميع شرائح الشعب بل وحتى الجيش الذي رمى به بحرب لا ناقة له فيها ولا جمل إلا مصالحه الشخصية، كل هذه الظروف تجعل التغيير أسهل، ونقصد بالتغيير هنا تغيير محمد بن سلمان وليس الاسرة الحاكمة، فأميركا ما زالت تربطها بالنظام السعودي مصالح مشتركة.
محمد بن سلمان ليست مشكلته أنه حليف ترامب فحسب، بل أنه أصبح مزعجاً لحليفته اميركا. فمن الصعب أن تتعامل الادارة الحالية معه بعد أن تبنّت تقريراً يُدينه، وأيضاً تهوّره في سياساته الدولية أصبح مقلقاً لأميركا، وكذلك محاولة تمرّده على حلفائه في البيت الابيض من خلال محاولته فتح علاقات استراتيجية مع روسيا والصين وغيرهما، لن تمر مرور الكرام، فأميركا لا تحب الحليف الذي يحاول التمرّد.
كل ما قلناه سابقاً هو أقرب الى الواقع من غيره، إلا إذا أرادت أميركا التفريط في كامل سمعتها، حيث تتعامل مع رئيس دولة أدانته بالإرهاب، من خلال إدراج اسم فرقة النمر أو قوات التدخل السريع التابعة مباشرة لمحمد بن سلمان تحت قائمة الإرهاب، وأدانته بارتكاب جريمة سمع بها العالم كله، والله تعالى أعلم.
* مقال منشور للكاتب في جريدة الأخبار اللبنانية
خليك معنا