كنت في بداية الحرب الراهنة قد نشرت صوراً لمدينتَي حلب وبن غازي، وهما عبارة عن حطام وأكوام خرسانية متناثرة، وقد خلت شوارعهما من السابلة، بل ومن الحياة، إلا من بعض طيور جارحة، ونعيق بعض الجوانح المشؤومة.
كنت محذراً من أن ذلك سيكون مصير مدينة تعز الحبيبة إن لم يُحكّم رجالاتها العقل في النأي بمدينتهم عن شبح الحرب المتربصة بكل جميل لديهم.
كان محافظ تعز وقتها، شوقي أحمد هايل، من أفضل المحافظين، وهو المحافظ الذي يتمناه التعزيون بل وغيرهم؛ إذ إنه لم يخدم أحد تعز مثلما خدمها بيت هائل سعيد، هذه الأسرة التجارية المنتمي إليها المحافظ شوقي، والمنتمية هي إلى هذه المحافظة الجميلة.
لقد أوجد هذا البيت التجاري لأبناء تعز، بشكل أو بآخر، مكانة لا يحلمون بها مقارنة بالآخرين في بقية المحافظات اليمنية. فقد كانت نسبة الأمية في محافظة تعز هي الأدنى بين بقية محافظات اليمن التي تتفاقم نسبة الأمية فيها بشكل مرعب، وكان حملة الشهادات العليا الأكاديمية أكثرهم من أبناء تعز، وكانت كل جامعات اليمن تعج بطلاب تعز، وكان غالبية أساتذة الجامعات هم من أبناء تعز، وكانت الكثير من الوظائف العليا والمتوسطة في الدولة اليمنية يشغلها أبناء تعز، حتى شركات النفط والغاز في عموم البلد كان لأبناء تعز من التوظيف فيها النصيب الأوفر. لا أقول ذلك منة عليهم، بل لقد استحقوا ذلك عن جدارة من خلال مثابرتهم، وتكاتفهم فيما بينهم، ومساعدتهم لبعضهم، على عكس الآخرين تماماً.
فبالرغم من الدعم السخي من قِبل بيت هائل لجمعيات حزب «الإصلاح»، بل وتسليمهم لغالبية المساجد التي بنتها جمعية هائل سعيد لجماعات تعود لحزب «الإصلاح»، ورغم استيعاب مجموعة هائل لكوادر «الإصلاح» ضمن قواها الوظيفية بنسبة عالية، ليس محلياً فقط بل في طول وعرض امبراطورية بيت هائل التجارية التي لا تغيب عنها الشمس، غير أنه، ورغم كل ذلك، أخذ حزب «الإصلاح» موقفاً عدائياً متعنتاً من المحافظ شوقي، وناصبه – دون سبب وطني – العداء، فقط لرغبة الحزب في الاستفراد بتعز وحسم أمرها لصالحه، لتصبح تعز اليوم مسرحاً لهذه الحروب الظالمة، فذاقت تعز الحالمة ويلات الحروب، وذاقت لباس الخوف والجوع، لتكون محصلة ذلك أن تقسم تعز بين «الدواعش» والحوثيين. وصورة تعز المدمرة أكبر برهان على الحماقة وانعدام الوطنية التي يعتبرها البعض رديفاً للوثنية.
لو أن سياسيي تعز حيدوا محافظتهم كما صنع مشايخ وعقلاء محافظة إب في هذه الحرب التي ليست لليمنيين فيها ناقة ولا جمل، بقدر ما هي مشروع صهيوني يقضي بتدمير كل الحواضر العربية والإسلامية بأدوات ضلت سعيها في الحياة الدنيا… لو أنهم جنبوا محافظتهم هذا العبث، لكان أهل تعز بخير، ولاستفادت محافظتهم من فرص التنمية في زمن الحرب، ولوُظّفت الطاقات والإمكانيات المتميزة لدى شباب تعز، ولكن أهواء السياسة بطبيعة الحال هدامة، وهذا هو ثمنها المرير الذي ما زلنا نجربه ونكرر مآسيه من خمسة عقود خلت.
نأمل ابتعاد الغمة عن تعز ومحافظات اليمن عموماً، والنأي بها عن المشاريع الصهيو – إستعمارية التي تدمر كل جميل فينا، بما في ذلك قيمنا التي تنهار بسبب هذه المشاريع التي تأكل الزرع والضرع، وتأكل كل ما هو جميل.