يبدو أن حالة الإنكار التي حاولت العربية السعودية مُمارستها بعد كل خروجٍ علني لمسؤولين سابقين فيها، يُؤيّدون العلاقات العلنية مع “العدو” الإسرائيلي، ويدعون إلى التطبيع الرسمي والكامل معه، يبدو أنه سيصبح (الإنكار) مُنكراً، وتجب فيه ربّما إقامة الحد على من لا يعترف بإسرائيل، ويُهلّل للتطبيع، والأيام القادمة حُبلى بالمُفاجآت غير السارّة، على الأقل بالنسبة لنا.
الحكومة السعودية، لطالما أكّدت أن دعوات بعض المسؤولين فيها لعلاقات “أخوية” مع الكيان الغاصب لا تُمثّلها، لأن الداعين لهكذا علاقات، لا يشغلون مناصب رسمية، ومع هذا هناك في المملكة لا يجرؤ أحد على الخروج بكلمة، دون التنسيق مع القيادة، فكيف بدعوات لعلاقات علنية مع إسرائيل!
الجنرال أنور عشقي، كان من أوائل الداعين إلى علاقات بين بلاده وإسرائيل، وبلا شك أن تلك الدعوات في الأمس، كانت تمهيداً لما سيتم الإعلان عنه اليوم، ونحن لا نستبعد أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرياض، وتُرفرف راية التوحيد الخضراء إلى جانب علم “دولة الاحتلال”، ونأمل ألا يتم الترحيب فيه في بلاد الحرمين كما حصل مع دونالد ترامب الرئيس الأمريكي.
قد يقول قائل، أننا نتبلّى على السعودية، وأنها يستحيل أن تُقيم علاقات مع إسرائيل، وذلك لموقعها الإسلامي والإقليمي كقائدةٍ للدول السنيّة، ولكن ما يدفعنا لعدم التفاؤل، والقول أن علاقات علنية بين السعودية وإسرائيل باتت قاب قوسين أو إدنى، تلك الحملات الإعلامية التي تُدار بشكلٍ حرفي، لتهيئة الرأي العام المحلّي السعودي والعربي، لقبول صداقة إسرائيل، وضرب القضية الفلسطينية عرض الحائط.
خُذ مثلاً جولةً على الصحف السعودية المحليّة، وجرّب أن تقرأ مقالات كُتّابها، ستجد أن المصلحة العربية بحسبهم تُحتّم علينا قبول التطبيع مع “العدو”، وذلك لمصلحة الفلسطينيين الذين سيحصلون على حقّهم في الأرض، وذلك جرّاء السطوة التي ستمارسها السعودية على إسرائيل، فالمسافة باتت قريبة بينهما، وإسرائيل ستستجيب إكراماً “لحليفها السعودي”، حتى لو كانت تلك الاستجابة بترحيل الشعب الفلسطيني عن أرضه، أو الضحك عليه بالفُتات.
هناك أيضاً، وعلى موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، وسوم حملت عناوين الدعوة إلى قبول التطبيع مع إسرائيل، بل ومُهاجمة حركة المُقاومة الإسلامية “حماس″، على اعتبار أنها محسوبة على قطر، والتي يُقاطعها حلف المُقاطعين بقيادة السعودية، ومن يتجوّل “بالهاشتاق” المذكور سيشعر بالتأكيد أنه بأسوأ زمن مُنحط، وصلت إليه أمّتنا العربية والإسلامية.
برغم كل تلك الحملات الإعلامية و”التويترية” التي يجري ترويجها بمكر، وتصنع فيها المباحث ما تصنع، نُؤمن أن الشعب السعودي شعبٌ وطني عربي إسلامي، وأيّة علاقات سيتم الإعلان عنها مع إسرائيل سيرفضها بداخله، وستُفرض عليه بالإجبار، كما يتم فرض قرارات أخرى عليه هذه الأيام، وليس عليه، إلا السمع والطاعة، والبيعة والولاء.
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الجديد وفق المُغرّد الشهير “مجتهد”، هو من أمر بالترويج لتلك الحملة الإعلامية، لتهيئة الرأي العام في بلاده، قبول “التطبيع″ العلني والكامل مع الكيان المُحتل، وهو برأينا يبحث عمّا يُدعّم أسس حكمه، وإيصاله إلى كرسي العرش، والتقارب مع إسرائيل كما يعتقد سيضمن له الجلوس طويلاً على عرش المملكة النفطية.
نعتقد أن الأمير الشاب محمد بن سلمان، يرتكب عدّة أخطاء في آنٍ واحد، فالتطبيع العلني مع إسرائيل لن يكون وقعه على شعبه المسلم، كما هو في حالة فرط عقد المؤسسة الدينية، والانتقال قسراً إلى عصر الترفيه، وفرض قيادة المرأة، وحينما تتراكم العثرات والأخطاء، يصعب على الشعب غُفرانها، خاصّةً إذا انقلبت تلك الآثار على أمان الجبهة الداخلية، صحيح أن الأخيرة لن تُهددها العلاقات مع إسرائيل، ولكن ثقة الحاكم والحديث هُنا عن بن سلمان بقراراته وتفرّده فيها، وإجبار التابعين على تنفيذها، هو ما يدفعنا إلى التحذير من مغبّة ارتكاب مجموعة أخطاء، ليس أولها الانفتاح، وليس آخرها التطبيع، والنصيحة بجمل!