الصباح اليمني_مساحة حرة|
لم يكن انفصال الدول الخليجية -ما عدا قطر وعمان-عن تركيا بعد سنوات قليلة من الأزمة السورية أمراً سهلاً، كان التحالف عميقاً جداً، اختلفوا في التفاصيل، ومن ثم اختلفوا في الساحة اليمنية، بعد فشل مشاريع واشنطن في المنطقة، فآل المآل إلى اشتداد الخلافات بين الحلفاء إلى أن تطاير أوارها بعد مقتل خاشقجي في السفارة السعودية بأسطنبول عام 2018.
عودة العلاقات مع تركيا، ومن ثم مع سوريا وإيران، أكدت أن مشاريع الولايات المتحدة الأميركية قد فشلت فعلاً، ولا سيما أنّ الأخيرة فقدت نصف هيبتها بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، وتدافع الدول الوازنة في العالم لتدشين نظام اقتصادي جديد يعتمد العملات المحلية بدل الدولار.
كلّ ذلك يعني أن المخاضات المتباينة قد جعلت الخليجيين يفضّلون الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رئيساً للجمهورية التركية، لا لأنّ ثمة وصالاً شخصياً مع الرئيس الحالي يطغى على المشهد، حيث لا يمثّل ذلك قيمة في عالم السياسة، ولا لأن إردوغان الأكثر وفاءً بالتزاماته تجاه الخليجيين، ولذلك يفضّلونه، بل لأن لديه-إلى جانب أخطائه الكثيرة-حنكة المناورة البراغماتية.
هذه الحنكة تجعل التفاهم معه يسيراً ، إلى جانب أن إردوغان بخلاف المرشحين المتنافسين معه في الانتخابات الحالية، لا يزال يتطلّع إلى الخارج وإلى مصالح تركيا كدولة إقليمية واسعة وممتدة، وهذا يتطلّب حتماً عملاً دؤوباً مع الشركاء الإقليميين لتنضيج الدور التركي.
رغم ذلك فإن العقبات أمام إردوغان داخلياً قد تقلق الخليجيين الذين لا يريدون رئيساً عنصرياً يستلم مقاليد الحكم وينغلق على الداخل، فتفقد الدول الأخرى عنصر التعاون كما هو الحال مع الرئيس الحالي.
هذا لا يعني أنه ليس ثمة إيجابية في المترشحين المنغلقين بالنسبة للخليج، لكن ضرر الانغلاق التركي أكبر من نفعه، وهذا محسوب في وقت حساس كالوقت الذي يمر به العالم، خصوصاً مع الوضع الاقتصادي الرديء والذي يتطلّب شراكة حثيثة في حوض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب، لكي لا تصل شرارة المعضل الاقتصادي العالمي إلى دول الخليج، وإن وصل دخانه وخنق بعض القطاعات.
ومن نافلة القول الإشارة إلى أهمية تركيا بالنسبة لدولة قطر، والتي ساهمت في إفشال المقاطعة الخليجية والتي استمرت أكثر من ثلاث سنوات بدءاً من منتصف2017، مما دفع السعودية والإمارات إلى مراجعة مقاطعتهم والتغاضي عن الشروط التي وضعوها، وإعلان إعادة العلاقات كاملة معها في قمة العلا بجدة في كانون الثاني/يناير من عام 2021.
تمتين العلاقات الخليجية مع تركيا وإيران ولو بشكل مؤقت، ضرورة كبيرة للخليجيين، في ظل تراجع أميركي واضح في المنطقة، مما يعني أن الانتخابات الرئاسية التركية قد تشكّل محطة ترقّب لدول مجلس التعاون عموماً وللسعودية خصوصاً.
وتمثّل الجالية التركية حيثية وازنة في سوق العمل الخليجي، وبحسب إحدى الإحصائيات، فإنّ 23005 ناخبين أتراك موجودون في السعودية، و12757 في الإمارات العربية المتحدة، فيما تحتل قطر المرتبة الثالثة من حيث عدد الناخبين الأتراك القاطنين فيها، إذ يبلغون 10868 ناخباً، وتأتي الكويت في المرتبة الرابعة ويصل عدد الناخبين إلى 4725، فيما يتقارب عدد الناخبين في كل من عمان والبحرين، وعددهم 1395 و1359 على التوالي.
وقد أدلى الناخبون الأتراك بأصواتهم في مهجرهم الخليجي، وسُجّلت توجّهات متفاوتة لمرشحيهم، فيما طغى المزاج العام التركي في الخليج على اختيار الرئيس التركي الحالي.
وربما يؤدي الإعلام المحلي لكل دولة-سواء كان مقروءاً أو مكتوباً-دوراً بارزاً في التأثير، إلى جانب الإعلام التركي. ورغم تدهور الليرة التركية بسبب الإجراءات التي قام بها إردوغان منذ أكثر من عامين، حيث فقدت 4.1% من قيمتها مقابل الدولار، وأجرى عملية تغييرات جذرية في تركيبة البنك المركزي في بلاده، ألا أن احتدام المنافسة بقي إلى الأيام الأخيرة.
ما يعنينا هنا ليس قراءة الشأن الداخلي، بقدر ما هو قراءة شأن تركيا بعيون خليجية، إلّا أنّ تأثّر وتأثير الجانبين يبدو واضحاً ومنطقياً، لأن القلق في الأسواق الناشئة والمستثمرين الجدد في تركيا يعم كل قطاعات الاستثمار.
وقد أبدت مجموعة سويس كوت بنك Swissquote Bank -مثلاً- قلقها في سوق العملات، مما قلل من مشاركة متداولين خليجيين في السوق التركية، كما أن مؤشرات التباطؤ في سوق العقار في أنقرة يعطي إشارة أخرى على ذلك، وكما هو معروف فإن الخليجيين قد دخلوا هذا السوق بقوة، خصوصاً مع تحسّن العلاقات السعودية والإماراتية مع تركيا.
وبناءً على ذلك، فإن نضوج الخليجيين وإردوغان على السواء بسبب التجارب الفاشلة التي مروا بها، جعلتهم حريصين على اتباع استراتيجية مختلفة، وهذه الاستراتيجية تدفعهم دفعاً للتعاون مع بعضهم من جهة، والتعاون مع إيران وسوريا من جهة أخرى.
طبعاً لا يمكن فتح زوايا التفاؤل على مصاريعها بشأن تغيّر رؤيتهم للقضية الفلسطينية ومبدأ المقاومة، لأن ذلك يعد إفراطاً في التفاؤل وتفريطاً في قراءة السمت الواقعي الذي اتسموا به، بل والذي لا يمكن أن يخرجوا عنه بشكل ثوري وفجائي.
فالتخلّص من الربقة الأميركية بشكل كلي يحتاج إلى وقت، وهذا الوقت لا يمكن اختصاره في سنة أو سنتين.
خليك معناالمصدر: الميادين نت