بقلم: روزانا رمّال|
وفق معاهد البحوث الأميركية العاملة بأجندات استخبارية متقنة والتي استندت الى خطة المحافظين الجدد في التركيز على مسألة «سحق» حزب الله العام 2006، فإن الانتقال إلى مسألة استهداف سورية كان مطروحاً منذ العام 2003 بعد زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق كولن باول للرئيس السوري بشار الأسد وفشله بإقناع دمشق بالاتفاق مع الرؤية الأميركية للشرق الأوسط بعد انهيار حكومة العراق وأن تتوقف عن دعم حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله.
استهداف سورية، هدف قديم – جديد منذ ما قبل اندلاع الأزمة السورية وحرب تموز. فسورية تشكّل بالنسبة للأميركيين مفصل العلاقة بين إيران وحركات المقاومة بوجه «إسرائيل»، حيث تشمل اللائحة حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي بشكل أساسي، ومسألة المقاومة تتعلّق عند الأميركيين بمفهوم واحد وهو تعريض أمن «إسرائيل» للخطر.
حزب الله الذي نال نصيبه في حرب تموز عام 2006 لم يكن وحيداً من أصل تلك الخطة. فحركة حماس تعرّضت لحرب ضروس عام 2008 ثم 2012 ولا يزال يعيش الفلسطينيون في حصار خانق في غزة حتى اليوم.
لم يجد الأميركيون شيئاً في سورية أو في لبنان لسنوات طويلة بالحساب السياسي، باعتبارهما دولتين عربيتين خارج خرائط النفط المنافسة أو الثروات الكبرى سوى عنوان سياسي عريض صنف الدولتين «هدفاً» دائماً عند «الإسرائيليين» وهو عنوان قتال «إسرائيل». فلبنان الذي يستفيد من مطاطية نظامه وحساسية وضعه الطائفي والسياسي استطاع احتضان حزب الله كحركة مقاومة عربية أولى نجحت في طرد «إسرائيل» وتحرير الارض عنوة، وسورية التي لم توقع السلام أو تتوجه إليه مع «إسرائيل» قرّرت أن تشكل جسر تواصل بين حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية مع إيران، فكانت صلة الوصل والربط لوجستياً وسياسياً.
تعرف «إسرائيل» جيداً أن حركة حزب الله لوجستياً وعسكرياً مفتوحة بالاتجاهات كل في الارض السورية، وتعرف ايضاً أن كل ما يتعلق بالتدريبات ومخازن السلاح متوفر منذ ما قبل الازمة السورية بين الطرفين وأن حزب الله لم يذهب لسورية بعد الأزمة «فقط»، بل هو «موجود» فيها أساساً وما اغتيال القيادي عماد مغنية فيها إلا دليل على تلك الحركة واعتبار سورية مساحة آمنة لحزب الله بأرفع قياداته.
أبرز أهداف الأزمة السورية بالعين «الإسرائيلية» يكمن في التخلّص من الأخطار المباشرة عليها فبتصنيف «المباشر»: حزب الله وحركة حماس هما العاملان الأهم بالنسبة لتل ابيب القادران على خضّ استقرارها رسمياً، أما سورية ونظامها فيصبحان ثانويين بعد النيل من حزب الله أو بحال سلّمت سورية حزب الله وتراجعت عن موقفها المؤيد له ولإيران ولحركة حماس ايضاً.
فشلت «إسرائيل» من التخلص من حزب الله عبر إسقاط النظام أو عبر إنهاكه في الارض السورية والوحل السوري كما أسمي، وكان أمين عامه السيد حسن نصرالله قد أطلّ منذ أيام ليؤكد ما يُعتبر مقتلاً بالنسبة لـ»الإسرائيليين». يقول نصرالله بما مفاده «نحن، أي حزب الله، في أقوى حالاتنا، هذه الأيام ومحورنا في أقوى حال». وهو ما يعني عدم استفادة «إسرائيل» من حصار سورية او حزب الله، بل تعميق أزمتها جراء انتشار حزب الله في الأرض السورية وبدلاً من أن تعمل من أجل التخلص منه على الحدود اللبنانية بات عليها أن تتعاطى مع توسّعه بل وتمدّده وصولاً للحدود السورية والعراقية حتى اليمن.
تسجّل حركة حماس وحدَها، أبرز إنجازات «إسرائيل» من الأزمة السورية، فهذه الحركة التي انقلبت على النظام السوري الذي احتضنها سنوات ساهمت في عمليات أمنية داخل سورية، وساعدت المعارضة المسلحة بوجه الجيش، لكن الأهم بالنسبة لـ»إسرائيل» أنها توقفت عن القنال محلياً بشكل كامل، فغابت عمليات الحركة تلك المعهودة والبطولات المصحوبة بتهليل وتبريك الشعب الفلسطيني. سبع سنوات من الحرب السورية ولم تنفذ الحركة حتى عملية واحدة داخل الأراضي المحتلة وتقيّدت بشكل كامل بالأجندة التركية التي تمثل الحركة أحد أذرعها في الأرض المحتلة بانتماء كوادرها في الجناح السياسي للاخوان المسلمين.
ارتاحت «إسرائيل» لسبع سنوات من حماس ونشاطها داخل الأراضي المحتلة، لكنّها اليوم تتحضّر لخسارة هذا الإنجاز إذا ما صحّت الأنباء عن نيّة إيران استقبال عناصر الحركة المبعَدين من قطر، لأن خروج الحركة من قطر نحو خيار من هذا النوع تعني إعادة تموضع كاملة، فكيف بالحال وأن تركيا وإيران تشكّلان اليوم رأس حربة بوجه السعودية معاً.
السؤال عن الإنجاز «الإسرائيلي» في ضبط حركات المقاومة أو التخلص منها عبر النيل من سورية بات «سراباً»، وعودة حركة حماس الى كنف الإيرانيين هي إضافة نقطة جديدة لرصيد إيران التي لم تقاطع يوماً الإخوان المسلمين أو تركيا رغم وابل التعدّيات وأقساها على طهران وحلفائها.
الوضع الاقتصادي السيئ في غزة، بل المزري، حسب شهادات أهلها يوحي وكأن هناك حصاراً يسبق حرباً ما. وضمن هذه الضغوط تبقى العين على تركيا التي تعيش واقعاً دقيقاً جداً بعد إعلان واشنطن العزم على دعم بناء دولة كردية وإمداد قوات سورية الديمقراطية الكردية بما يلزم للقتال.
هل ستفاضل تركيا بين مصير وجودها وبين أمن «إسرائيل»؟
هل تطلق يد حماس المكبّلة والمنسجمة مع «الضابط» التركي في المرحلة السابقة كـ«ورقة ضغط» وهي تدرك جيداً مصلحة «إسرائيل» بكيان فئوي تقسيمي، كالكيان الكردي؟ خليك معنا