الصباح اليمني | ترجمة خاصة |
تمتلك الولايات المتحدة سجلا حافلا في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، ولكنها الان تحرض على كارثة إنسانية في اليمن يمكن أن تنافس في نهاية المطاف سوريا والعراق لتأثيرها المزعزع للاستقرار على المنطقة والعالم.
يذكر ان اكثر من 10 الاف شخص لقوا مصرعهم فى الحرب المستعصية بين الحوثيين المدعومين من ايران من جهة والموالين للحكومة المدعومة من السعودية من جهة أخرى على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ولكن عشرات الآلاف الذين قتلوا بسبب العنف المسلح قد لا يمثلون سوى جزء بسيط من مجموع الضحايا، ويبدو أن الحكومة الأمريكية تبذل كل ما في وسعها لجعل الأمور أسوأ.
فانتشار الأوبئة المجاعة في اليمن ليست نتيجة الجفاف أو الفشل في زراعة المحاصيل، بل هي نتيجة للحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية على البلاد منذ عامين بمساعدة حلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، في جهد متعمد لتجويع المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. كما أن تكتيكات الحصار الذي لا يرحم من قبل التحالف هي المسؤولة مباشرة عن تفشي وباء الكوليرا. وقد استهدفت السعودية المناطق المدنية بقنابلها، ودمرت البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات وشبكات المياه.
يقول الدكتور هومر فينترز، مدير البرامج في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، إننا نشهد “تسليح المرض” في اليمن، وكذلك في سوريا ولا يمكن للولايات المتحدة أن تنكر تواطؤها في هذه المجزرة. فبعد أن أدركت إدارة أوباما في وقت متأخر أن السعوديين يقصفون المدنيين اليمنيين بأسلحة أمريكية الصنع، منعت مبيعات القنابل العنقودية والذخائر الدقيقة إلى الرياض في العام الماضي. بيد أن إدارة ترامب سعت إلى استئناف مبيعات الأسلحة الدقيقة في آذار / مارس، ووقع مجلس الشيوخ صفقة جديدة بقيمة 500 مليون دولار في حزيران / يونيه. ومنذ آذار / مارس، وتدرس الإدارة حاليا توسيع نطاق مشاركة الولايات المتحدة في الصراع اليمني – الذي شجعه السعوديون بالتأكيد خلال زيارة ترامب في أيار / مايو.
صفقات الأسلحة خلقت فرص عمل جديدة. هذا الموقف لا يكاد يكون جديدا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة: طالما أن السعوديين يشترون بنادقهم وقنابلهم منا، نحن لسنا قلقين جدا حول كيفية استخدامها في نهاية المطاف، سواء كان ذلك لمحاصرة اليمن، او لتهديد قطر، او لقمع وحشية الاحتجاجات في البحرين، أو تخويف مواطنيها. وبالنظر إلى شخصية ترامب الانتهازية من خلال عقد صفقات والحصول على وظائف التصنيع في الولايات المتحدة، فضلا عن قدرته على الإطراء السعودي، فإن إدارته من غير المرجح أن توقف حليفنا الأكثر إزعاجا في أي وقت قريب.
وعلى الرغم من نزيف اليمن فإن التغطية الاعلامية في وسائل الإعلام الغربية للحدث لاتجد فيها الحقيقة على الإطلاق، وتميل إلى أن تكون ذات بعد واحد “صحافة مظللة”، يصدرها صحفيون غير خبراء، وتركز فقط على البعد الطائفي في الصراع السعودي الإيراني .
الجزء الأصعب من المشكلة هو أن اليمن هو مكان خطير لذهاب الصحفيين الى هناك , إذ أن الصحفيين الأجانب كان لديهم صعوبة بما فيه الكفاية لتغطية النزاع فعلا وعدم سرعة بث الإنترنت في اليمن يعوق الصحافة المحلية من المواطنين والمهنيين على السواء. غير أن التحديات المماثلة لم تمنع تغطية أكثر قوة لسوريا والعراق.
من جانب آخر قد لا تجتذب الحرب الأهلية في اليمن نفس النوع من الاهتمام لأن لاجئيها لا يصلون إلى الشواطئ الأوروبية، وبالتالي فإن الأزمة لا تؤثر على الغرب مباشرة.
والواقع أن الحوثيين ووكلائهم الإيرانيين – الذين صعدوا مؤخرا من دفعاتهم النقدية والأسلحة إلى الحوثيين – أظهروا الكثير من الاستخفاف بحقوق الإنسان وارتكبوا جرائم حرب خاصة بهم، بما في ذلك الهجمات العشوائية على المناطق المدنية واستخدام الألغام. ولكن بالمقارنة مع ما ينفقه السعوديون على الحرب في اليمن، بمقدار 200 مليون دولار يوميا فإن السعوديين متورطون في المستنقع اليمني بشكل كبير.
واحدة من أخطر صفات الحرب هي أنها مربحة إلى حد كبير لبعض الناس،. في الوقت نفسه، بالتأكيد لا يشكو مصنعي الأسلحة الأمريكية من تلك الآثار الكبيرة.
ما يجعل الحرب في اليمن مخيفة حقا أن الدولة كانت بالفعل في حالة هشة: أفقر بلد في المنطقة العربية، مكتظ بالسكان ويعتمد اعتمادا كبيرا على الواردات، وأكبر مشكلة في البلاد هي أن مواردها تجف. وقد أدى ازدهار السكان وصعود اقتصاد المحاصيل النقدية إلى الإفراط في استغلال الموارد الشحيحة، التي تفاقمت بسبب آثار تغير المناخ، وأصبح اليمن الآن من أكثر البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم. ويعتقد بعض الخبراء أن صنعاء قد تصبح العاصمة الأولى في العالم التي ينفذ منها المياه تماما – وليس عقود من الآن، ولكن بحلول عام 2025 – اضافة الى أن المياه القليلة التي في المدينة أصبحت الآن ملوثة بالكوليرا.
إذا لم يتم القيام بأي شيء للتخفيف من أزمة المياه في اليمن، وخاصة إذا استمرت الحرب في تدهور البنية التحتية وجعل الإصلاحات مستحيلة، فاليمن مرشح قوي لأول أزمة مناخ في العالم. فبين الحرب الأهلية والمجاعة والمرض وتغير المناخ واللامبالاة في العالم، فإن الأرض المعروفة لدى اليونانيين والرومان بأنها “عربية سعيدة” هي في طريقها إلى أن تصبح غير قابلة للحكم، إن لم تكن غير صالحة للسكن.
New York
خليك معنا