الصباح اليمني_مساحة حرة|
لا شك في أن قيس سعيّد أضحى الشخصية أكثر قبولاً واحتراماً وتقديراً وإعجاباً في تونس اليوم. لا تدانيه شخصية أخرى مهما علا كعبها سياسياً أو اجتماعياً.
“قيس سعيد في قرطاج، لا للمكرونة ولا للألبان”. الهتاف الذي صدح في باحات وزوايا شارع الحبيب بورقيبة عشية إقفال صناديق الاقتراع، كان كثيفاً في رمزيته، فالكرامة أغلى من أن تشترى ب “كوبونات المعكرونة والألبان” التي وزعتها مؤسسات منافسه على الناخبين، رغم الحاجة الماسة للأغلبية من الشعب التونسي. وأنّ رجلا نظيف الكفّ، لا تحوم حوله الشبهات، ولا سبق أن تورط في حزب أو اعتنق إيديولوجية واضحة لهو أمر يستحق الرهان.
فاز سعيد في كل دائرة انتخابية في البلاد. ونتائج الانتخابات عكست هذه المضامين بجلاء، ولا سيما بين جيل الشباب. فعدد الذين صوتوا لسعيد يفوق بكثير عدد الذين صوتوا سابقاً للباجي قايد السبسي، والمنصف المرزوقي، بحسب مؤسسة “سيغما كونساي”. ونسبة المشاركة التي قفزت بأكثر من تسع نقاط عن مثيلتها في الجولة الأولى بعد تجاوزها عتبة الـ 57.8 % كانت مفاجأتها مضاعفة، حيث وصل عدد المصوتين لسعيد للأعمار بين 18 و25 سنة 90% وفقاً لتقديرات معهد استقصاء سيغما، مقارنة بـ 49.2 ٪ من الناخبين الذين تجاوزوا الستين عاماً.
سعيد الملقب بـ”روبوكوب” على منصّات التواصل الاجتماعي التونسية نظراً لطريقته في الكلام، كسب الرهان دون كاريزما سياسية، من دون برنامج واضح، من دون حملات انتخابية، ومن دون حزب سياسي، في لحظة انتعاش وتشوق لقيم ثورة الياسمين عند الذين صوتوا له.
ما يتفق عليه أنصاره وداعموه ببساطة أنه رجل يشبه التونسيين أكثر من أي شخصية سياسية عرفوها يوماً، غير قابل للفساد والإفساد، وذو عقلية متفتحة ومحافظة، شفافة وجامحة في آن. تعد بالقليل لكنه نادر كالتعهدات التالية: “تحقيق اللامركزية “، “إنهاء عهد الوصاية “، “بناء العلاقات بين الحاكم والمحكوم على أساس الثقة والمسؤولية”، “عدم المسّ بقيم المجتمع الدينية”،” العمل على القضايا القومية، وأولها القضية الفلسطينية”.
ببساطة شديدة، هل الرئيس قيس سعيد قادر على تحقيق ما تعهد به في بلد يبلغ عدد سكانه 11 مليوناً، غارق في المشاكل الاقتصادية والأمنية، حيث تبلغ نسبة البطالة 15%، وترتفع مستويات التضخم وسط ومطالب المانحين الأجانب بتطبيق إجراءات خفض للإنفاق لا تحظى بالشعبية؟.
لا ريب في أنّ منصب الرئاسة يتمتع بنفوذ سياسي واسع إلا أنّ سلطاته تبقى أقل من دور رئيس الوزراء في الدستور الجدد الذي حرص على توزيع مراكز القوى داخل الدولة. فهل سيجد قيس سعيد ظهيرا وداعماً له بين القوى السياسية، وهو الغريب الذي يدخل قصر قرطاج مجرداً من أي حزب سياسي يتبع له؟.
وإذ يتوجب عليه دستورياً أن يكلف الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية تشكيل الحكومة، فهل هو قادر على الحسم أو لعب دور الحكم في نزاع تطلّ أماراته بين القوى البرلمانية التي لا يوجد بينها من يملك أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً؟.
إنّ أولى العقبات التي تواجه سعيد أن الأحزاب التي تلت حركة النهضة (52 مقعداً من أصل 217) في عدد مقاعدها في البرلمان تتمنع عن التحالف مع الحركة في تشكيل حكومة ائتلافية. ولا يُعرف ما إذا كانت الحركة قادرة بالتحالف مع الأحزاب الصغيرة الكثيرة للحصول على ما يحقق الثقة بحكومتها برلمانيا (أي الحصول على ثقة 109 نائب).
العقبة الثانية المرشحة للظهور هي الأوضاع الأمنية وما يمتّ لها بصلة، مثل: إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية ولا سيما وزارة الداخلية التي تضخم حجمها على حساب وزارة الدفاع، قضايا الاغتيالات السياسية التي لا تزال عالقة مثل قضيتي شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ومكافحة الهجرة غير الشريعة وعمليات التهريب عبر الحدود، والقضاء على التنظيمات الإرهابية.
المرجح وسط كل هذه التكهنات هو حرص حركة النهضة على التعاون مع الرئيس قيس سعيد والعمل على دعمه حكومياً وبرلمانياً، فالرجل لا يشكل تهديداً لها بتاتاً إذ انه لا يملك حزبا سياسياً، ومواقفه السياسية تتماهى مع مبادئ النهضة لجهة احترام الثقافة الإسلامية وقيمها التشريعية، ومن حيث تفكيك منظومة الفساد وحيتان المال، والنأي بالبلاد عن الصراعات الإقليمية، فضلاً عن إعادة الزخم رسمياً للقضية الفلسطينية التي تحتل مكانة مرموقة في وجدان الشعب التونسي.
خليك معنا