عندما قُلنا بالأمس أن المملكة العربية السعودية باتت تتبنّى سياسات انفتاحيّة نحو إيران ومِحورها في المنطقة، لم نكن نقرأ الطّالع ونَضرب بالرّمل، فتوجيه الأمير محمد بن سلمان، نائب الملك، الدّعوة إلى السيد مقتدى الصدر لزيارة السعودية، والحَفاوة التي حَظي بها الأخير فَور وصوله، تُؤكّد هذا التوجّه السعودي المُفاجئ وتُعزّزه.
المُصافحة التي جَرت أيضًا (الثلاثاء)، وبعد جَفْوة استمرّت سنوات، بين السيد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، ونظيره السعودي، السيد عادل الجبير تأكيدًا إضافيًّا على حُدوث هذا التغيير في المَوقف السعودي، الذي بات يَعتمد “الحِوار” والدبلوماسية، بدلاً من المُواجهة، والتّصعيد الإعلامي، ولعلّ حُدوثه بعد أيّام معدودة من مُغادرة العاهل السعودي بلاده لقضاء إجازةٍ طويلةٍ في المغرب، وتولّي ولي عهده مسؤولية الحُكم توقيت ينطوي على معاني كثيرة.
لا نُريد أن نُبالغ كثيرًا في قراءة هذا التطوّر والنتائج التي يُمكن أن تترتّب عليه، ولكن منذ أن وجّه وزير الحج والأوقاف السعودي، الدكتور محمد صالح بن طاهر بنتن، دعوةً إلى رئيس هيئة الحج الإيرانية لزيارة المملكة، وبحث العقبات التي أدّت إلى تغيب الحُجّاج الإيرانيين عن أداء الفريضة الموسم الماضي، كان واضحًا أن القيادة السعودية تُريد الانفتاح على إيران بطريقةٍ أو بأُخرى.
***
جميع العقبات، والمشاكل، وسوء الفهم، التي أدّت إلى مُقاطعة الحُجّاج الإيرانيين العام الماضي جَرى التغلّب عليها، فقد جرى إلغاء جميع الشّروط المُتعلّقة بسفر الحُجّاج على خُطوط غير الناقلة الوطنية، وتسهيل حُصول الحجّاج على تأشيرة الدخول عبر السفارة السويسرية في طهران التي ترعى المصالح السعودية دون عوائق، وحل مسألة مُظاهرات الإيرانيين للبراءة من الكُفّار، والغطرسة الأمريكية بطريقة مرضية للطرفين لم يتم الإعلان عنها، وتردّدت أنباء شِبه مُؤكّدة بأن العقبة الأخيرة، وهي دفع تعويضات لأسر الحجاج القتلى في حادث التدافع في منى قبل عامين، وراح ضحيّتها أكثر من 460 إيرانيًّا جرى تسويتها وسط تكتّم شديد، كل هذه الإنجازات ما كانت أن تتحقّق لولا وجود مُرونة من الجانبين، والسعودي على وجه الخصوص.
صُور المُصافحة بين السيدين ظريف والجبير، التي تمّت أثناء مُشاركة الوزيرين في اجتماع طارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، انتشرت مثل النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرّسمية أن الوزيرين تبادلا الحديث بعد المُصافحة، وسط أجواء ترحيبيّة وابتسامات أذهلت الحُضور، ووصف السيد ظريف مُصافحة نظيره السعودي واحتضانه بأنّها خُطوة عاديّة في العُرف الدبلوماسي، ويَعود ذلك إلى الاحترام المُتبادل والصداقة القديمة بينهما.
الصداقة القديمة موجودة، لكنها لم تُؤدّ الى أي مُصافحات منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لأن العلاقات كانت مُتوتّرة بين إيران والسعودية، ووصلت إلى درجة التهديدات المباشرة، وقطع العلاقات، بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران وحرق محتوياتها تحديدًا.
لا نعتقد أن السيد الجبير يُمكن أن يُصافح السيد ظريف، وأمام العدسات، دون حُصوله على ضوء أخضر من قبل قيادته في الرياض، وفي إطار توجّه سعودي جديد بتهدئة التوتر مع “الخصم” الإيراني، ومن يقول غير ذلك لا يَعرف السعودية، وكيفية اتخاذ القرارات فيها.
***
السّؤال الذي يَطرح نفسه: لماذا جاء هذا الانفتاح السعودي على إيران والقيادات الشيعيّة العراقية فجأةً، وهل هُناك علاقة بينه، أي الانفتاح، والأزمة مع قطر؟
سؤالٌ آخر يتفرّع عن الأول، وهو هل ستُمهّد هذه المُصافحة لأخرى بين الأمير بن محمد سلمان والسيد عبد الملك الحوثي، زعيم تيار “أنصار الله” في اليمن كخُطوة على طريق اتفاق سلام ينعي الحرب في هذا البلد المُستمرّة منذ عامين ونصف العام؟
لا نَملك أي إجابةٍ فوريّةٍ على هذين السؤالين، ونُفضّل التريّث، لكن ما حدث تطوّر مُهم يَجعلنا لا نَستبعد انفراجات إيرانيّة سُعودية مُقبلة، ربّما تَنعكس أيضًا على الحرب في سورية، لإدراك الطّرفين أن الحِوار والتفاهم هما الأقل كُلفةً وضررًا على الصّعد كافّةً.
شُكرًا لانتفاضة الأقصى التي وفّرت “الغِطاء” لتحقيق هذه المُعجزة، أو مهّدت لها.