الصباح اليمني_السعودية
تساءل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير أعده بول كوكرين، عن رؤية محمد بن سلمان 2030، إن كانت السعودية قادرة على تحقيقها في ظل تراجع أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا؟.
وأشار في مقالته إلى اليافطات الإعلانية بصورة محمد بن سلمان، والتي كتب عليها “دائما ما تبدأ كل قصة نجاح برؤية”، وذلك بمناسبة أول زيارة رسمية له إلى كوريا الجنوبية.
وأشار الموقع إلى أنه مضى على الخطة خمسة أعوام، وبقي أمامها عقد من الزمان في ظل أزمة مزدوجة تعاني منها السعودية، أسعار نفط منخفضة وتداعيات فيروس كورونا، فهل هناك ضوء في نهاية النفق لرؤية 2030؟
ولفت إلى أنه حين تم الإعلان عن الخطة، وسط بريق إعلامي كان ابن سلمان نائبا لولي العهد، وتم الحديث عن تريليونات من الدولارات لتحقيقها، تريليون دولار في مشاريع عملاقة، بالإضافة لتريلون دولار من الإستثمارات الخارجية.
وتوقعات بأن تكون ميزانية هيئة الإستثمار العام بحلول عام 2030 تريليوني دولار. ووضعت الخطة أهدافا لتوسيع مساهمة القطاع غير النفطي في ميزانية الحكومة إلى 6 أضعاف، بنحو 267 مليار دولار، بالإضافة لمضاعفة الصادرات غير النفطية ثلاثة أضعاف من 16% – 50% من الناتج المحلي العام.
وبالمجمل هدفت الرؤية إلى فتح البلاد وخصخصة أجزاء من الإقتصاد وتخفيض الدعم واجتذاب المستثمرين الخارجيين وتخفيف الإعتماد على النفط. ورغم تجارب الإصلاح السابقة، وهي 9 خطط خمسية منذ عام 1970 إلا ان الحافز للإصلاح هذه المرة أكثر إلحاحا، فلا يشارك إلا نسبة 42% من السكان في قوة العمل، رغم دخول ما بين 300.000- 400.000 مواطن سعودي سوق العمل سنويا. وفي عام 2016 كانت الإحتياطات الأجنبية 700 مليار دولار وكانت أسعار النفط في أعلى مستوياتها فيما يزداد دور محمد بن سلمان في الديوان الملكي.
وفي الوقت الذي شكك فيه الكثيرون برؤية 2030 إلا أنها لم تكن غير قابلة للتطبيق، على الأقل من الناحية المالية. إلا أن الصدمة المزدوجة من النفط وكوفيد-19 ضغطت على مالية المملكة. ففي آذار/مارس ونيسان/إبريل تراجع الإحتياطي الأجنبي بواقع 48.6 مليار دولار هو أكبر تراجع شهري حيث أصبح الإحتياطي 448.6 مليار دولار. وحتى قبل وصول فيروس كورونا لم تكن الأمور تسير على ما يرام، ليس بسبب التباطؤ الإقتصادي والفيروس.
وقال الموقع إلى أن المثير في الأمر، أن الموقع الرسمي لم يقم بتحديث بيانات “التقدم في الرؤية” بالعربية أو الإنكليزية منذ عام 2018. وكل ما تحقق من الرؤية هو السماح للمرأة بقيادة السيارة وفتح دور السينما. ويرى تيودور كراسيك، المستشار البارز في “غالف ستيس أنالتيك” أن السعودية “مكان مختلف عما كانت عليه قبل خمسة أعوام، وحققوا إنجازات كبيرة وهم الآن أمام امتحان كبير”.
ورأى الكاتب أن الرؤية تقوم على 3 أسس: “مجتمع نابض بالحياة، اقتصاد مزدهر وأمة طامحة” ولكن الإقتصاد في وضع متخبط بدلا من انتعاشه. ولا تزال نسبة البطالة مرتفعة، حوالي 12% فيما نما الإقتصاد بنسبة 0.3% في عام 2019. وبلغت نسبة النمو في القطاع غير النفطي 3.3% وهو أقوى أداء منذ عام 2014، حسب أرقام السلطة العامة للإحصاءات إلا أن انخفاض أسعار النفط وكوفيد سيوقفان هذه الإنجازات التي تحققت.
وتتوقع وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني تباطؤا في القطاع غير النفطي لهذا العام بنسبة 4%. وهذه هي أخبار سيئة لعمليات تنويع الإقتصاد. وضربت ثلاث قطاعات وهي التجزئة والنقل والإنشاءات التي تشكل نسبة 60% من القطاع الخاص حسب سلطة النقد السعودي “سما” بسبب الوباء والإغلاق العام.
ولفت إلى أن قطع العلاوات زاد السخط العام، وبلغ عدد العاملين في قطاع التجزئة مليوني شخص ويسهم في 14% من الناتج المحلي العام. وبدأ قطاع الإنشاءات بالتعافي في عام 2019 بعد هدوء أربعة أعوام، ولكن التوقعات لهذا العام بأنه سينخفض. ومن مظاهر التراجع في القطاع الإنشائي هي مجموعة بن لادن للإنشاءات التي تقوم بإعادة ترتيب دين 15 مليار دولار وتتخلى عن خدمة موظفين.
وكانت فصلت الشركة 50.000 موظفا عام 2016. وكان من المفترض أن تسهم الشركات الناشئة والأعمال الصغيرة في 35% من الناتج العام بحلول 2030 إلا أنها تعرضت لضربة.
ولفت الموقع إلى أنه ووفقا لتقرير بحثي أعدته “ومادا وأراب نيت”، فقد تأثر ثلثا الشركات الناشئة من تداعيات كوفيد-19 حيث لم تستطع الحصول على دعم فيما علقت نسبة 17% منها عملياتها. وضرب الوباء أيضا وبقوة أهم قطاع في التنويع الإقتصادي وهي السياحة التي كان من المتوقع أن تجذب مليون ونصف سائح في العام غير الحج والعمرة.
وفي الوقت الذي زار فيه 20.000 سائح السعودية عام 2016. وتم إصدار 400.000 تأشيرة في الفترة ما بين إيلول/سبتمر 2019 وشباط/فبراير 2020 إلا أن القطاع سيشهد انكماشا بنسة 40% لعام 2020. وتأثر الحج أيضا حيث علقت الرياض العمرة وهناك توقعات بإلغاء الحج نهاية تموز/يوليو أو تم تحديد عدد المشاركين فيه بسبب كوفيد-19.
وكان شارك في موسم العام الماضي 2.6 مليون حاج وبلغت موارد السياحة الدينية 12 مليار دولار. ويقول كريستين أورليشسن، من معهد بيكر لدراسات الشرق الأوسط بجامعة رايس “لا أتخيل عقد الحج في ظل الظروف الحالية وسيتم تأجيل الخطط للسياحة الفاخرة بسبب كوفيد-19 لعام أو أكثر”.
وأشار إلى عدد من النكسات في خطط التنويع خاصة اكتتاب حصص من شركة ارامكو التي كان من المتوقع أن تولد 100 مليار دولار عند وضع نسبة 5% من أسهمها . ولكن المناسبة كانت محلية حيث تم طرح 1.5% من أسهم الشركة في السوق المالي السعودي وأدت لتوليد 26.5 مليار دولار.
وقال ديفيد ويفينغ من رويال هوليوي بجامعة لندن إن اكتتاب أسهم أرامكو كانت مركزية للحصول على أطنان من السيولة النقدية واستخدامها في مشاريع التنويع ولكن لم يكن هناك اهتمام (أجنبي)”. كما أن الإصلاح البنيوي الذي تم كجزء من الرؤية لم يكن كافيا لاجتذاب الإستثمار الأجنبي المباشر والذي لم تزد نسبته عن 1% من الناتج المحلي العام بحسب المعهد الدولي للتمويل.
وقال غبريس إراديان، الخبير الإقتصادي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “تحتاج جهود التنويع إلى الكثير من الإستثمار الأجنبي المباشر. ولم يحدث هذا خلال السنوات الثلاث الماضية. ولا تزال الإصلاحات البنيوية صارمة وبحاجة لتحسين من أجل جذب الإستثمار الأجنبي المباشر”. إلا أن اجتذاب الأجنبي قد يكون صعبا في ظل تراجع أرباح أرامكو بعد حرب الأسعار التي شنتها الرياض في آذار/مارس.
وقال هيو مايلز من “أراب دايجيتس”: “لقد فقدوا ثقة الجميع بمن فيهم الذين استثمروا في أرامكو بعد شن حرب الأسعار وضحكوا عليهم (في الأرباح المتوقعة)”. ولكن من أجل الحصول على المال هناك حاجة لمزيد من الخصخصة لزيادة أرصدة هيئة الإستثمار العام المفترض أنها ستشرف على تنفيذ مشاريع الرؤية وزيادة ميزانيتها إلى تريليوني دولار بحلول 2030 من 230 مليار دولار في الوقت الحالي.
وقال إراديان “ربما كانوا طامحين وقد يصلوا إلى تريليون دولار لو جمعوا ذلك من خلال خصخصة عدد من الشركات السعودية”.
ولفت إلى أن حظوظ هيئة الإستثمار العام، تعتمد على ما سينتج عن استثمار 8.2 مليار دولار هذا العام، مقارنة مع رهانها السابق على صندوق “سوفت بانك” الخاسر.
وقال الموقع: في الوقت الحالي “يبدو أن هيئة الإستثمار العام تعطي أفضلية للتنمية المحلية، ورؤية 2030. وتم تحويل ماليات لمواجهة الإنكماش الإقتصادي”. وأشارت صحيفة “عكاظ” السعودية في أيار/مايو إلى قطع 8 مليارات دولار من ميزانية رؤية 2030 كجزء من خطط التقشف.
وأشار إلى أنه المبلغ ذاته الذي أنفقته الهيئة هذا العام على الإستثمار الخارجي. وفي ذروة كوفيد-19 أعلنت مؤسسة النقد السعودية (سما) عن تحويل 40 مليار دولار لهيئة الإستثمار العام، لشراء أرصدة خارجية بأسعار منخفضة على أمل الحصول على عوائد منها.
وقال إنه كلما أنفقت الهيئة على استثمارات الخارج، كلما انخفض المال المتوفر للإستثمار المحلي، وهو ما ينص عليه تفويض الهيئة. وقد يؤثر هذا على مشروع مدينة نيوم على البحر الأحمر. والتي كانت مشاريع البناء فيها بطيئة.
ولا يعرف إن كانت هناك أجزاء من المشروع سيتم تأجيلها أو إلغاؤها. وأشارت تقارير إلى توقف البناء في مشاريع البيوت وتم تعويض الشركات الإنشائية. وينقسم المحللون حول المشروع إلى قسمين، إما تعديله وتخفيض حجمه أو تنفيذه كما هو نظرا للصورة التي قدمته بها. ويرى مايلز أنها قد ينتهي مثل بقية المشاريع الكبرى في الخليج التي كان دافعها الغرور.
لكن الموقع قال إنه ما قد يحافظ على زخم المشروع هو قرب المدينة من إسرائيل، التي تزيد الرياض معدلات التقارب معها. وقال مايلز “الهدف الرئيس من نيوم هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهذا هو سبب وجودها ومحمد بن سلمان مستعد لتنفيذه لهم”.
وفي مقال على موقع نيوم ألمح كاتب إلى أن كل التعاون مع الشركات التكنولوجية الإسرائيلية وقطاع تكنولوجيا المعلومات مطروح على الطاولة. ولأن هيئة الإستثمار العام وبالضرورة نيوم تحت سيطرته فالقرار بيد ابن سلمان إما بالإستمرار به أو إلغاؤه.
ونقل الموقع عن بسمة مومني من جامعة واترلو بكندا إنه “لا مبرر لنيوم ولكن من يعرف محمد بن سلمان يعرف أنها مهمة له”. في حين يعتقد كراسيك أن نيوم وغيرها من المشاريع ستستمر لأنها المفضلة لولي العهد.
وقال “ميدل إيست آي” إنه وفي ظل إقتصاد مترنح وعجز بالميزانية وانكماش اقتصادي عالمي فمنظور رؤية 2030 بات قاتما وليس مضيئا. ويرى ويفينغ أن “الموضوعات هي أكبر من كوفيد، بل وجدوى رؤية 2030 لأنها ميتة طالما لم يتوفر المال”.
المصدر: عربي21
خليك معنا