الصباح اليمني_مساحة حرة
«وتشهد أنك قاتلت الغارات وقاتلت البحر
وقاتلت طوابير الدبابات
وقاتلت خيانات الدبابات الأخرى
وصمدت صمود الأنواء
رشاشك كان وكالة أنباء الثوار
إذا كذبت فيك وكالات الأنباء
خذ جورب سيدة ذبحت
احفظه بجيبك» ـــــــ «عبدالله الإرهابي»، مظفر النواب
استشهد يحيى السنوار، استشهد الرجل الذي شغل الدنيا والناس. قبل عام فقط، العالم بأجمعه بات يعرف اسمه، جربوا تقديمه كإرهابي، وهذا ما يدغدغ صحافة العالم، ففرحت بالوصف واستمرت عليه، وبنت ما بنت على تلك الصفة في تبني رواية إسرائيل لمبررات حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي باقي أنحاء فلسطين بأشكال مختلفة، والتي ستشنها على الشعب الفلسطيني أينما وجد، ولا سيما في دول الطوق. وطبعاً، في ظل الصمت العربي والعالمي، تسترسل اليوم في محاولتها بتر جنوب لبنان عن لبنان، وربما أجزاء من سوريا عن سوريا.
أدرك السنوار ما كانت تفكر فيه إسرائيل منذ سنوات طويلة، أي مشروعها في استعباد شعوب المنطقة، واستعباد العالم كما نرى الآن. إدراكه هذا لم يكن فقط من معرفة بالعقل الإسرائيلي، بل من وعي بالتوازنات التي أسست إسرائيل، والتي وصلت إلى المكان الذي يسمح لها بتصحيح «خطأ» الصهاينة الأوائل، أولئك الذين اكتفوا بـ 78% من فلسطين. فلم يكملوا تطهير الأرض من شعبها، ولم يحتلوا باقي فلسطين. وها نحن اليوم نواجه تكملة للمشروع، ما يعبرون عنه في كثير من الأحيان، إذ لم يعد هذا الكلام نظرياً، هم يريدون السطو على كل المنطقة، واستعباد شعوبها.
استشهد السنوار، وقد أدرك أسمى لحظات الفداء، بأنه عرف بأن النجاة مما نحن فيه، بتقديم نموذج، لا يتم الكلام عنه، إنما يمثّل، وهكذا «انتهت» حياته المادية، وبدأت حياته الأخرى بيننا. يعيش السنوار بيننا منذ الأمس، منذ انتشرت صوره صريعاً، بجوهر جديد جداً، جوهر القائد الذي يقاتل مع باقي الفدائيين، يرونه ويسمعونه، يؤمنون به ويؤمن بهم.
هؤلاء يطيب لبعضنا أن يراهم كأناس يذهبون إلى «الموت» بقصد الجنة والإيمان الديني فقط. وهو دافع لا شك، لكن الأرض التي يؤمنون بانتمائهم إليها دافع آخر، وشعبهم أيضاً. هؤلاء ينصرون المظلوم، ويدفعون المظلمة، وهؤلاء معنى يحتاج فهمه إلى الكثير الكثير من تبسيط الأمور، مثلاً أن هؤلاء يقاتلون الظالم القاتل، من أجل أن يتمكن رجل آخر من الزواج وإنجاب طفل يمكن أن يحيا حياة كريمة. هم بشر مثلنا، لكن دواخلهم مختلفة، لا ينتظرون من كاتب أن يكتب عنهم، ولا يندفعون نحو الصورة، ينكرون الذات، ويؤمنون بقضاياهم بلا كلام كثير، فهم أهل المعادلات البسيطة، ومن أجل تحقيقها يرسون أعقد المعادلات التي في وسعهم حلّها. السنوار الذي جدد مفهوم الفداء، هو الذي التقى بعد أن تحرر من أسره بكل القطاعات الشبابية للفصائل في قطاع غزة، فخرجوا جميعاً راضين مقتنعين بالرجل الوطني المقتنع والموافق والمقبل على الكل الوطني. هذا السنوار يحيى يحيا لا يموت وإن مات.
استشهد السنوار، وفي لحظة وعي خاطفة في الأذهان، يبدو أنه مع أقرانه من الفدائيين، الشهداء الذين لم يسلموا حياتهم للموت، بل سلموها للحياة، فخلدوا في أذهان الشعوب. فاليوم وبعد أن غاب جسد السنوار، يجالس في عقول الأحرار السيد حسن نصرالله الذي يجالس أبا جهاد وأبا إياد وفتحي الشقاقي ويحيى عياش وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ووديع حداد وعبد القادر جرادات، وليس غريباً أن في مجلسهم إرنستو تشي غيفارا وعز الدين القسام وعبدالله صيام وماجد أبو شرار وخالد نزال وجيفارا غزة وعماد مغنية. هؤلاء جميعاً وغيرهم كثر في العالم، يفهمون لغة بعضهم بعضاً، لغة الحرية، ومفردات الوصول إليها، هذه الشمس التي لا يسمحون لها بالانطفاء.
هؤلاء السادة، من نعرفهم ومن لا نعرفهم، الذين وثّقهم التاريخ والذين نسيتهم صفحات الصحافيين، هؤلاء يقظة العالم على الاستعباد، وقيامة الشعوب من مواتها الإجباري والاختياري. هؤلاء السادة، يأتون مجددين لإيمان الإنسان بوجوده الحر في حياته وأرضه، وهؤلاء خير من في الأرض.
إحياء هؤلاء في وعي الجميع حياة. وبقاء هؤلاء في حياة أولادنا وبناتنا نقاء.
المصدر : الأخبار اللبنانية
خليك معنا