الصباح اليمني_مساحة حرة|
ما سبق عمليات استهداف أرامكو في ابقيق وخريص وعملية “نصرٌ من الله” ليس كما قبلها، فالوقائع مختلفة والنتائج مختلفة. استهداف المُنشآت النفطية السعودية اعتُبِرَ عملية خَرْق كبيرة وتَغيُّر كبير في قواعد الإشتباك لجهة نقل المعركة إلى العُمق السعودي والمَساس بقلب الإقتصاد السعودي والعالمي، وكذلك كان الأمر بما يرتبط بعملية “نصر من الله” التي كانت بمثابة أكبر كمين موضعي بنتائج إستراتيجية أرسَت مفاهيم جديدة في تأثيرات الميدان على المواقف السياسية ستظهر نتائجها عاجلاً، حيث بدأت السعودية بإظهار النوايا الحَسَنة وتقبّلها المبادرة اليمنية وهي نوايا لا تزال مُغلّفة بالمُكابرة التي تسعى فيها السعودية عبر الوسطاء للحصول على ما يحفظ ماء وجهها، مع الإشارة إلى أنّ عملية “نصر من الله” تجاوزت في تأثيرها عملية أرامكو لعدم تمكّن السعودية من تبريرها بأنها فعل إيراني وليس يمنياً كما حصل في عملية أرامكو، إضافة إلى أمرٍ هامٍ لا يمكن إغفاله وهو عامَل التراكُمات لعمليات استهداف السعودية سواء قوّاتها العامِلة على خطوط الإشتباك أو ضربات العُمق، ورغم ذلك فإنّ احتمال المناوَرة في قبول السعودية للمبادرة اليمنية لا يزال قائماً بنسبةٍ كبيرةٍ، بدليل أنّ الإماراتيين يتحضَّرون عبر استقدام مزيدٍ من المُقاتلين والمعدَّات إلى موانىء الساحل الغربي والشروع ببناء ميناء عسكري بالقرب من باب المندب سيكون إن تمّ استكمال بنائه بمثابة قاعدة مُتقدِّمة يمكنها التحكّم بالمضيق بالإضافة إلى ما أنشأه الإماراتيون من قواعد في جزيرة سقطرى التي تتحكَّم بالطريق البحري بين الهند وإفريقيا وصولاً إلى الغرب، وهو تطوّر يمكن أن يُحمِّل الإمارات ما لا طاقة لها به إن قرَّرت القيادة اليمنية عبر الجيش واللجان الشعبية توجيه ضربة للإمارات ستستهدف بالتأكيد بنى تحتية حيوية وهي كثيرة، وستؤدّي إلى تهشيم الإمارات إقتصادياً وسياسياً على عكس السعودية التي يمكنها أن تمتصّ الضربات بشكلٍ أفضل ولمدّة أطول قبل الدخول في مرحلة الإنهيار، وما اعتبار الأمر مناورة هو أنّ الإمارات لايمكن أن تُقدِم على ما تُقدِم عليه من دون موافقة سعودية وأميركية، وهو ما يُعزِّز احتمال وجود مناورة لكَسْبِ الوقت والالتفاف على المبادرة اليمنية.
وما يحصل في اليمن حصل مثله في سوريا عندما شكَّل تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب بداية مرحلة الإنتقال من الدفاع إلى الهجوم الإستراتيجي والذي تتوّج حتى اللحظة بتحرير معظم الجغرافية السورية وأهمّها الثقل الإستراتيجي للدولة، ويضمُّ المدن الكبرى وطُرُق الربط بينها وأغلب المُنشآت الحيوية للدولة وصولاً حتى افتتاح معبر القائم– البوكمال الذي يُشكِّل بداية مرحلة إطلاق خط الإمداد الإستراتيجي من طهران إلى لبنان على الرغم من بقاء الشمال السوري الغربي والشرقي قَيْد الإحتلال من تركيا والجماعات الإرهابية في الغرب ومن أميركا والفصائل الإنفصالية الكردية في الشرق، وهو على أهميّته لن يُعيق استكمال تثبيت النصر، فمعركة الشمال الغربي ستنتهي إن لم يكن بالتفاهُمات السياسية مع تركيا فبالتحرير عسكرياً، وهو أمر قدَّم الجيش العربي السوري أحد نماذجه في الآونة الأخيرة حول سهولة المعركة العسكرية.
أما بالنسبة إلى الشمال الشرقي، فإن لم تصل المفاوضات مع الكرد الإنفصاليين إلى نتائج إيجابية، فإن إطلاق المقاومة الشعبية لمواجهة الكرد والأميركيين أمر قائم ومُتاح عندما تُقرِّر الدولة السورية ذلك، وهذا يعني أنّ سوريا تُخطّت المخاطر الكبرى وستدخل قريباً مرحلة إعادة البناء التي ستشمل إعادة الإعمار وإتمام العقد الإجتماعي الجديد عبر إصلاحات دستورية هي في الأساس حاجة سوريّة ما بعد الحرب قبل أن تكون نقطة ضغط خارجية.
في العراق كما في لبنان وفي فلسطين شهدنا تطوّرات كبيرة حول فعّالية المقاومتين اللبنانية والفلسطينية بمواجهة الكيان الصهيوني والإرهاب، وبتنا أمام مشهد جديد مختلف عمّا أرادته أميركا في المشهد وفي التحوّلات التي يُمكن وَسْمها بثلاثة عناوين رئيسة تؤشّر إليها، وهي بداية تكوُّن معالِم المرحلة المقبلة في الإقليم والعالم، وهي بالطبع ستستغرق ربما سنوات لحسم ما تبقّى من تأثيرٍ أميركي وسعودي وتركي وغربي فيها، على اعتبار أن القسم الأكبر من خطّة تعميم الفوضى وتقسيم المنطقة قد تمَّ تهديمها على الرغم من الأثمان الكبيرة التي دُفِعَت في المقاومة والتي تبقى أقّل بكثير ممّا لو كان الوضع مُرتبطاً بالإستسلام والخضوع.
وانطلاقاً مما سبق، فإنّ النتائج حتى اللحظة ما كان يُمكن أن تحصل لولا توجّه قوى محور المقاومة إلى اعتماد مبدأ وحدة الإرادات والجبهات الذي أثبت فاعليّته وهو ما يُمكن إدراجه ضمن معالِم المرحلة الحالية التي تتّصِف بثلاثة عوامل:
- عامل الإنقسام والفَرْز وحَسْم التموضعات.
وهو عامل قائم لا يمكن تجاهله ويظهر بشكلٍ واضحٍ في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن وهي الأرض التي تستمر فيها المقاومة، ففي كل من البلدان المذكورة هناك حال إنقسام عامودي بين مؤيِّدٍ للمقاومة ومُعادٍ للفكرة، وفي حين أنّ البعض يعتبر الأمر خطيراً اعتبره حالة طبيعية في ظلّ الإستهداف المستمر سياسياً وإعلامياً لشعوب المنطقة والعمل على فصلها عن التاريخ وطَمْسِ ذاكرتها، والإيجابي في الأمر هو أن الشرائح التي تبنَّت المقاومة وتخوضها تجاوزت كل التضليل وشملت كل الشرائح مُتخطّية العامِل المذهبي لجهة التموضع وحسمه، وهو أحد المسائل التي تشكِّل عامل الحَسْم المستقبلي لحظة انهيار المشروع المُعادي.
- عامل انتقال قوَّة الردع إلى محور المقاومة.
على مدى 13 سنة ومنذ مواجهة تموز في لبنان بدأ محور المقاومة ينتقل من مرحلة الدفاع السلبي إلى مرحلة الدفاع الإيجابي بعد عمليات المُدافَعة عن سوريا والعراق وبعدها في اليمن بمواجهة الإرهاب دولاً وجماعات وصولاً إلى كَسْرِ شوكة الإرهاب، وتثبيت قواعد الإشتباك في غزَّة وفي لبنان وانتقال سوريا إلى مرحلة الإشتباك مع الكيان الصهيوني عبر تحريم المجال الجوي السوري على الطائرات الصهيونية واقتصار الأمر على توجيه الطائرات الصهيونية صواريخها من خارج المجال الجوي السوري، وما شهدناه أخيراً من ردٍّ للمقاومة اللبنانية عبر عملية أفيفيم وعملية إسقاط المُسيَّرة الصهيونية في جوار بلدة راميا، وقبلها توازن الردع الذي صنعته المقاومة الفلسطينية في غزَّة ليكون فتح معبر القائم– البوكمال مفتاح تغيُّر ميزان القوى حيث باتت إيران عملياً متموضعة على الحدود مع الكيان الفلسطيني بعُمقٍ يبدأ من سوريا ولبنان والحدود بينهما مع فلسطين المحتلة وصولاً حتى طهران.
- عامل القوى الإستراتيجية العالمية
مع انتهاء الصراع في المنطقة وهو أمر حاصِل بالنظر إلى تراجُع الولايات المتحدة وحجم المشاكل التي أنتجتها الإدارة الأميركية الحالية ليس مع إيران والمنطقة وحسب، بل مع روسيا والصين وحتى أوروبا، من البديهي أن يتمّ الإعلان في السنوات القادمة عن موعدٍ دقيقٍ لدفن أحادية القُطب والإنتقال إلى تعدّد الأقطاب والقوى وهو أمر سيُرسِّخ محور المقاومة كأحد القوى الإستراتيجية على مستوى الإقليم والعالم.
اشترك في قناتنا على التليجرام: https://t.me/alsabahalyemeni0
خليك معنا