تحولات آنية وفورية تفرزها تفاعلات الأزمة الخليجية مع قطر وتبقي مجرياتها مفتوحة على كل الاحتمالات ، فبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يوقد نار الحرب ، وبين وزارة خارجيته التي أبدت ليل الثلاثاء تفاؤلاً بشأن فرص الحل ، تقول الإمارات أنه لا يوجد جانب عسكري ضد قطر ، لكن من الممكن تطبيق المزيد من الضغط الاقتصادي ، هذه الأزمة تتغير أحداثها كل عدة ساعات وأحياناً كل ساعة أو أقل من ساعة ، وسط استقطاب دبلوماسي واقتصادي وعسكري حاد ، تميل فيه الكفة وفق المؤشرات الأولية إلى دولة قطر الغنية بالغاز والتي تأوي قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة “قاعدة العُديد”.
في العادة لا يمكن أن يكون الحياد هو السمة أو العنوان الأبرز لمواقف واشنطن وتحركاتها إزاء صراعات المنطقة والأزمات التي يتم صناعتها بعناية ، هي تسعى بطبيعة سياستها إلى إحداث جملة من المتغيرات وإعادة ترتيبها في المشهد العام ، ويرى البعض أن تباين المواقف والتوجهات الأمريكية بين ترامب ومؤسسات الدولة العميقة حيال الأزمة الخليجية القطرية ليس تناقضاً في حقيقته بل يأتي في سياق توزيع الأدوار ، فترامب الذي فاز بتوقيع أكبر حزمة من الاتفاقيات والصفقات قي تاريخ بلاده يتجه نحو إرضاء المملكة السعودية بعد صفقة المليارات الأربعمائة ، بينما تتجه مؤسساته إلى تبني الدور والموقف النقيض ، ولازالت عينها على البقعة التي يتنافس فيها أثرياء العرب .
اتساع رقعة التعاطف مع قطر وإرسال الطائرات المحملة بالمساعدات والمؤن الغذائية كسراً للحصار المفروض عليها ، يفسر عجز الذين قرروا محاصرة قطر في تقديم أطروحات مقبولة ، ناهيك عن خطأها الفادح والجسيم باتخاذ إجراءات عقابية حركها خلاف سياسي ، وعبثت بحياة الألآف من سكان الخليج ، ما يعني أن محور “الرياض – ابوظبي” لم يدرس جيداً التبعات المترتبة على قرارهم خارج أطراف الأزمة ..! باعتبار أن هذه العقوبات ستطال أنشطة إقتصادية في المنطقة لها ترابط مع بنوك وشركات عملاقة ودول حول العالم ، وأن أي ضرر بهذا الاقتصاد هو إضرار بمصالحها الاقتصادية ، فقطر تتمتع بحصانة اقتصادية واستثمارات متنوعة تجعلها مرتبطة بقوى دولية وإقليمية وازنة، تسعى اليوم إلى تعميقها والتحصن خلف أسوارها وتقويتها أكثر من أي وقت مضى .
ويرى مراقبون أن تراجع السعودية والإمارات والبحرين عن إجراءاتها ليست حقيقية، كما أن العقوبات القاضية بمنع القطريين من الحج ما زالت نافذة وحديث التراجع عنها يظل فقط على شاشات التلفزة ومنصات التواصل ، لتفويت الفرصة على الدوحة إعلامياً ، كما لو أن السحر قد انقلب على الساحر ، بعد أن حظيت الدوحة بتعاطف الناشطين الخليجيين على نطاق واسع ، وشكلت لديهم إرادة جمعية غير معهودة ، من خلال تحديهم لعقوبات التعاطف مع قطر بالسجن والغرامة المالية ، ولم تمنع المغردين على وسائل التواصل الاجتماعي من الاعتراض عليها واصفين إياها بالإجراءات القمعية بحق الشعب ، حيث غرد أحد الناشطين الخليجين كاتباً “قرار تجريم التعاطف من طرف الإمارات والسعودية والبحرين دليل فشل الحملة الإعلامية لكسب الرأي العام” ومغرد إمارتي آخر عبر في تغريدته قائلاً ” سيكتب التاريخ يوماً أن دولاً كانت حجتها ضعيفه في خلاف مع دولة جاره ، فزادت الضعف ضعفاً بتكميم أفواه شعوبها ومنعها من التعبير عن مشاعرها ..” ومثلما رمت الأزمة بثقلها على السياسة والاقتصاد والأمن والعلاقات المشتركة بين دول الخليج وقطر ولم ينجو منها المواطن الخليجي أيضاً ، إذ هددت الأزمة وتوتراتها شمل عائلات خليجية كثيرة .
ثم بأي منطق يمكن ابتلاع ذات الإجراءات التي طالت الرياضة ، حيث ذكرت صحيفية “ذا دايلي ميرور” الإنجليزية أن السعودية منعت ارتداء قميص برشلونه الأسباني في المملكة باعتبار أن شركة الخطوط الجوية القطرية هي الراعي الرسمي للنادي الكتلوني ، وبحسب الصحيفة فإن مشجعي البرشا في السعودية قد يتعرضون لعقوبة السجن مدة تصل لـ15 عاماً في حال ارتدائهم قميص فريقهم الذي يحمل شعار الخطوط الجوية القطرية ، كما قررت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، إيقاف استيراد أجهزة استقبال قنوات “بي إن سبورت” الرياضية القطرية وفق وكالة الأنباء السعودية “واس″. وجميعها إجراءات تخدم الدوحة على نحو مضحك مبكي ، باعتبار نتائجه عكسية على “محور مقاطعة قطر”.
حدة السجال الناري ومواصلة التصعيد الإعلامي ذهب إلى نقطة اللاعودة وبات الجرح عميقاً بين الخليجيين ، ولم تكتفِ المملكة بسحب مؤلفات يوسف القرضاوي من مكتبات المدارس والجامعات والكليات وإدارات التعليم داخل السعودية لما تشكله هذه المؤلفات من خطر على فكر الطلاب والطالبات، فلازالت صحيفة عكاظ تروج لاتهامات موجهة للدوحة بالخيانة والعمالة المزدوجة مع حماس وإسرائيل ، والأخطر من ذلك مواصلة تفكيك العائلات المختلطة بين دول الخليج وتشتيت شملها.
الواقع يقول أن ثلاث دول خليجية “السعودية ، الإمارات ، البحرين” لا تنظر إلى ما تتركه خلفها ، وتمضي بإصرار لتمزيق مجلس التعاون الخليجي شر تمزيق ، وسيبقى مجلس التعاون الخليجي بدوله الست مجتمعة هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب الباردة ، يتم الآن إضعافه واستنزاف ثرواته على نحو غير مسبوق ، في لحظة يتعرض أبناؤه لأكبر عملية تصعيد قد تقود لما لا يحمد عقباه ، وصولاً لانهيار تام لكل أشكال العلاقات والنسيج الاجتماعي المشترك.