يعلم القارئ المتابع أني أقف بكل صراحة ووضوح عبارة، ضد كل سياسات جميع الأنظمة الخليجية، سواء فيما تعلق بالمظالم المركبة داخلها من تمييز عنصري و استعباد للعمالة الوافدة من دول فقيرة، و عبودية العمالة القادمة من الغرب، وألف ملف وملف أسود، قطر ليست بريئة أبدا منها، أو على مستوى سياساتها الخارجية خاصة حيال دول عربية، كانت الانظمة الخليجية المتكالبة على بعضها اليوم، معولا واحدا في تخريبها و تمزيق جغرافيتها و تشريد شعوبها و تقويض اركان حكمها، بتزكية أمريكو/اورو/صهيونية بامتياز؛ إذن لا يتوقع القارئ مني الوقوف الى جانب قطر، و هي التي طالما حذرناها من انتفاخها توهما محاكاة الأسد والحجم معروف، و لا أن أصطف الى جانب خصومها، و الحال أن رأسهم قائم تاريخيا بالأساس على التكفير والارهاب و التخريب و التدمير.
كل ما في الموضوع أني فوجئت اليوم بوثيقة على بريدي تحمل ما سمي بمطالب القوم لقطر، لم أعرها أدنى اهتمام لسببين اثنين: أولهما ركاكة الاسلوب و خلوّه من أبجديات اللغة الدبلوماسية، فضلا عن المضمون الذي أشبه بقائمة شروط لمدير سجن، يحدد فيها قواعد الحركة داخل العنابر و في ساحة السجن. و السبب الثاني يعود لقناعتي الشخصية كما أشرت في المقالين السابقين، الى أن القوم ما كانوا ليفجروا هذه الأحقاد الكامنة في صدورهم منذ سنوات كما كشفوا هم أنفسهم، و ما كان ليتفلت زمام المحرك الغرائزي فيهم لولا أن الكاوبوي الأمريكي قد أذن لهم بذلك، هي فرجة بالنسبة له صراع الدجاج على الديك، و في النهاية جميعهم يذبح و يؤكل.
إذن لا جدوى كما أتصور على الأقل من التحليل و لا لمحاولة استقراء القادم. فالمقدمات غالبا من تكشف عن النتائج و النهايات. لكن لفت انتباهي ساعة قبل كتابة هذا المقال، تعليقات وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، جاءت في ساحة عكاظ عصرهم “التويتر”، و صليل “التغريدات” يفزع الأبكار في خدورها كما يتوهمون؛ المهم هنا تغريدة له تقول بأن الأزمة حقيقية و ليست هزلا، ما يعني أن الاستنفار و حشد القبائل قائم، و الأهم منها أخرى تلتها، اعتبر تسريب الوثيقة من قبل قطر عمل “مراهقة”؛ هذا ما أكد لي صحة الوثيقة و ما ورد فيها. لا أدري و السيد القرقاش تقيم وزارته باسم دولته أقوى العلاقات مع ايران، كيف يستقيم في منطقه توجيه الطلب لقطر بصيغة الأمر لخفض مستوى العلاقات مع ايران؟ و الأمر ينسحب طبعا على الكويت؟ ثم في أي علم من علوم السياسة اعتمد القرقاش على موقف تحدّد فيه دولة ما علاقة دولة أخرى؟
جميع الأنظمة العربية تتعامل مع مصر و الاردن اللذان يقيمان أقوى العلاقات مع كيان العدو الاسرائيلي المحتل لكل الدولة العربية الفلسطينية و المحتل لعاصمتها القدس الشريف، أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين، و لم نر منكم و لا من غيركم شرطا كهذا الشرط. ثم كيف يعقل أن يوجه الطلب كذلك بصيغة الأمر لدولة ذات سيادة بمنع تجنيس مواطنين؟ صراحة لم أكد أصدق ما تقرأ عيناي من ثلاثة عشر شرطا، كلها بهذا المستوى المغيب العقل تماما.
في الشرط التاسع، يطلب من قطر الانسجام مع محيطها الخليجي و العربي بما يضمن الأمن القومي الخليجي و العربي؛ و على القارئ أن يلاحظ عطف العربي على الخليجي للتأكيد على أنهما ليس أمرا واحدا؛ و هذا صحيح و يناقض الشرط نفسه، بل نسأل أصحاب هذه الوثيقة: من أوكل لكم تحديد الأمن العربي فأنتم لستم كل العرب و لا أغلبهم و لا أكثرهم؛ خاصة إذا حيّدنا الزائدة الدودية قطر التي لا هي في عير ولا في نفير ؟ هناك العراق و سوريا و لبنان و السلطنة و اليمن و تونس و الجزائر بل و حتى المغرب المحسوب عليكم، هؤلاء عربا أم كائنات فضائية؟ أم عربا درجة ثانية أو ثالثة؟ لا بل و ألف لا، و هؤلاء جميعهم يرفضون شروطكم جميعها و طرحكم جملة و تفصيلا. أحد الشروط تضمن غلق القاعدة التركية التي هي قيد الانجاز، يعني شرط وجد بعد الأزمة و لم يكن من اسبابها، و هل يتأتى توجيه الأمر لكل أنظمة الخليج هذه بغلق القواعد العسكرية الأمريكية؟؟؟ قطعا لا فالنص بذاته كرر لثلاث مرات عبارة “قوائم الدول الأربعة و الأمريكية” في كل مساق.
صراحة مضمون الوثيقة بشروطه الثلاثة عشر، لا يستحق أي تعليق، فضلا عن القواعد الدبلوماسية و القوانين المنظمة للعلاقات الدولية، لكن استفزني اعتبار الوزير القرقاش تسريب الوثيقة مراهقة قطرية، دون أن ينتبه بأن الوثيقة ذاتها دليل قاطع على صبيانية الأنظمة الخليجية الثلاثة، دون احتساب مصر المسكينة التي قزّم دورها نظام مفلس تماما، بات على استعداد لبيع كل أراضيها مقابل كيس رز.