الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
تطرق الباحثون إلى المدلول اللغوي والتاريخي للفظ يمن/ يمنت في النقوش العربية الجنوبية وحاولوا الربط بينها وبين تسمية اليمن الذي نعرفه منذ ظهور الإسلام.
سأحاول خلال هذه المداخلة المتواضعة تتبع مدلول يمنت في النقوش العربية الجنوبية خلال عصور ممالك جنوب جزيرة العرب، وأيضا في نقوش جديدة في شمال جزيرة العرب تذكر لفظة مرتبطة ب سكان يمنت قديما.
يمنت : الجنوب <–> شأمت : الشمال.
أقدم ذكر للفظة يمنت هو في النقش المعيني ريبرتوار 3022 الذي يذكر هجوم سبئي على قافلة معينية على الطريق بين معين ورجمة أي “نجران” وأيضا خلال الحرب التي نشبت بين بلاد الجنوب وبلاد الشمال.
ريبرتوار 3022 (سور براقش) : ب-مسبأ بين معين ورجمة وبن ضر كون بين ذ-يمنت وذ-شأمت “في الطريق بين معين ونجران وفي الحرب التي اندلعت بين بلاد الجنوب والشمال”. – أبي يدع يثع ملك معين (نهاية القرن الخامس ق.م.)
لفظة “يمنت” في هذا النقش تشير في اكثر الاحتمالات جنوب بلاد النهرين وآشور وفلسطين ومصر حيث كان يقيم المعينيون علاقات تجارية، أو إلى شمال وجنوب أواسط جزيرة العرب. يذكر هذه النقش تمرد المصريين ضد الفرس في حوالي نهاية القرن الخامس ق.م. ولدينا للتذكير نقش عود الى نفس الفترة يذكر حروبا بين الفرس واليونان في قبرص حاليا، وفي هذا الحال تكون لفظة يمنت جنوب يلاد الشام وفلسطين، أي مصر وجنوب بلاد الرافدين، والشمال سيكون في شمال بلاد الشام وغربها أي أراضي تابعة اليونان.
وتأتي “يمنت” في النقوش السبئية في عبارة ثابتة “شأمت ويمنت وبحرم ويبسم “الشمال والجنوب والبحر واليابسة”. لفظة البحر عند السبئيين تشير الى “الغرب” واليابسة “الشرق”.
جام 635(محرم بلقيس) : بضرم بعلي أمرأهمو بن ذ-شأمت وين ذ-يمنت وبن ذ-بحرم ويبسم “خلال الحرب من الشمال والجنوب والبحر واليابسة” – شعر أوتر حوالي 210 – 230م.
إرياني 13 (محرم بلقيس) : وبن ضر كون بين ذ-يمنت وذ-شـمت “والحرب التي وقعت بين الجنوب والشمال”.
جام 576 (محرم بلقيس) : بعليهم ضرم بن أشعب شأمت ويمنت وبحرم ويبسم “من بين قبائل التي دخلت في الحرب من الشمال والجنوب والبحر واليابسة” – إليشرح يحضب الثاني 235 – 255م.
جام 577 (محرم بلقيس) : ذ-يزأن يفعهمو بن شأمت ويمنت وبحرم ويبسم “وتمردوا ثانية ضدهم من مناطق الشمال والجنوب والبحر واليابسة” – إليشرح يحضب الثاني 235 – 255م.
يتضح من خلال هذه الأمثلة بأن شأمت مضاد ل”يمنت” بمعنى آخر مدلول يمنت هو “الجنوب”، وهذا ما تؤكده نقوش معينية وسبئية :
يمن 10886 (كمنا) : بشتي شأمت بلتي ذ-مدهوو “على حدود الشمال بدون موافقة المعبود مدهوو” – القرن السابع ق.م.
عنان 75: بذت تأولوا بوفيم من شأمت ” لأنهم رجعوا بسلام من الشمال” – إليشرح يحضب الثاني 235 – 255م.
المدونة 407: بعلي عكوتنهن بكنف شأمت ” في أعلى عكوة من جهة الشمال”.
ريبرتوار 4698 (شبوة) : نسر أتو هس بن شأمت “فاجأه طير النسر من جهة الشمال”. – القرن الثالث الميلادي.
جام 2110 : بكن ظمأو بشأمت ثلث أيومم “عندما عطشوا في الشمال لمدة ثلاثة أيام” – القرن الثالث الميلادي.
جام 658 : بسرن عتود بشأمت “في وادي عتود في الشمال”. وادي عتود يصب في البحر الأحمر على بعد 85 كم شمال جازان حالياً.
المدونة 308 : عدي شأمت عدي هجرن لقط “في اتجاه الشمال باتجاه مدينة لقط” .
جام 772 : بكن سبأ بعم رمن … شامت ورمن “عندما حارب ضد الروم … في الشمال والروم”. – حملة اليوس جالوس 26 – 25 ق.م.
مرقطن – قتباني : يوم علو وسوفي حوكم ألهو بيت شبعن ثوب إل وعم ذكر بن أرضتو وأهجر شأمت ونبطم وكشد ومصر ويونم “عندما منح السلامة المعبود حوكم رب بيت شبعان إلى ثوب إيل وعم ذكر وقت رجعا من أراضي ومدن الشام والأنباط والكلدان ومصر واليونان”.
“يمن” و “شأم” “يمين ويسار” في نقشين قتباني وسبئي.
متحف بيحان 659 (هجر كحلان) : وردأ أربعن كسوتن ذتي شأم ويمن “وساهم بأربعة أغطية في اليسار واليمين (شمال-جنوب)” – القرن الثاني-الأول ق.م.
المدونة 609 (الضالع) : ذن سطرن بشأم “هذا النقش في جهة الشمال” (؟)
“يمني” و”شأمي” “من الجنوب والشمال”.
فيلبي – ريكمانس-ليبنس – 1850 حمى (نجران) : هدي عرن يمنيتن وشأمتن بجيشم بن حضرم “رافق قافلة الجنوب والشمال مع جيش حضرمي” – القرن الثاني الميلادي-الثالث الميلادي.
يمنت وشأمت في هذا النقش يمكن تفسيرها باليمن والشام.
ربط ك. روبان هذه النقش برحلتي الشتاء والصيف المذكورتين في سورة قريش في القرآن الكريم التي كانتا تتمان في أوقات محددة في السنة. “لإيلاف قريش إلافهم رحلة الشتاء والصيف”.
أيمني وأشأمي بصيغة الجمع في نقشين قتبانيين
ريبرتوار 4328 (حنو الزرير) : مكرب قتبان وكل أولاد عم وأوسان وكحد ودهس وتبنا ويرفأ الجنوبيين والشماليين “أيمنن وأشأمنن“. – القرن الرابع قبل الميلاد.
عقبة برع 1 : مكرب قتبان وكل أولاد عم وأوسان وكحد ودهس وتبنا ويرفأ جنوبه وشماله : “أيمنس وأشأمس“.
اللفظتين يمني وشأمي تشيران هنا إلى “أفراد/سكان” من مناطق الجنوب والشمال، كما هو الحال في أسماء قبائل أوسان وكحد ودهس، الخ.
الفعل شأم “توجه إلى الشمال”.
المدونة 541 (مأرب) : وشأموا بن صرواح علي نبطم عدي عبرن “اتجهوا نحو الشمال من صرواح في نبط باتجاه العبر”.
“مشأمتم وميمنتم”.
المعسال 6 : وبدقهمو مشأمتم وميمنتم “ونحتوا من اليمني إلى اليسار” – وذكي ملكن قيلن ردمن مشأمتم لملكن وخمسن ويمنتم لأحبشن ” ارسل الملك قيل ردمان على يسار الملك والجيش وعلى يمين الأحباش”.
2. يمن وشأمل “اليمين واليسار”.
يمن “اليد اليمنى”:
روبان 1 (شمال صنعاء) : هقني شيمهمو تألب ريمن يمنن عدي قيفهو “أهدى سيده المعبود تألب ريمان اليد اليمنى في شاهده “القبري”.
المدونة 535 (الجوف) “ولخمرهمو ذسموي رضو لبهو وسعد يمنهو “وليمنحهم ذو سماوي رضا قلبه ومساعدة يده اليمنى”.
متحف ذمار 360 : بذت رفأهو وهحرمت يمن ودم شهرهم بن نشأهو “لأنه شفاه، ولتمنع يد المعبود ودّ اليمنى من نزعه من مكانه”.
يمن وشمأل في نقوش البناء.
براقش-السور 251: … ذي شأمل … “هذان في يسار …”.
روبان-اللومي 1 (شمال صنعاء) نقش بناء : يمن وشمأل هيت “يمين ويسار هذه …”.
الفعل هشأمل وهيمن “اتجه يساراً ويميناً”
المدونة 432: بنمو] يهشأمو وبنمو يهيمنن بن ذن شأمن “ويمتدوا يسارا أو يميناً”.
مدلول “يمنت” في اللقب الملكي الطويل : “ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت”.
ظفار 1 : وبخيل وردأ أشعبهمو وأخمسهمو سبأ وحميرم وحضرموت ويمنت “بقوة ومساعدة قبائلهم ومحاربيهم سبأ وحمير وحضرموت ويمنت” لا نعرف بالتحديد معنى يمنت هنا، فوجودها.
رسالة بيت أرشم بالسرياني (القرن السادس الميلادي) : “أرسل – الملك يوسف أسأر (ذو نواس) – إلى سكان حضرموت وسبأ وذو ريدان ويمنت ونجران والى مناطق أخرى تحت سيطرته للالتفاف حوله في ذي ريدان”. هذا التسلسل هو نفسه الموجود في اللقب الملكي الحميري الطويل.
في النقش ريكمانس ٥٠٧ يمنت موجودة بدون التاء بسبب خطأ كاتب النقش.
وتظهر أيضا لفظة يمنت في اللقب الملكي الحبشي “ذو يمنت”.
يمكننا ان نستنتج من خلال هذه النقوش أن يمنت تشير الى منطقة معينة اسمها “الجنوب”.
أما مدلولها الجغرافي فيتفق الباحثون عامة بانها قد كانت تشير الى المناطق الواقعة جنوب حضرموت بلد اللبان (ويسمان وهوفنر) أو شرق حضرموت (جلازر) جنوب حضرموت مع ميفعة (وسمان وبافقيه الذي أضاف أراضي قتبان التي ضمتها حمير لها بعد ضم حضرموت) أو التي كانت تحت سيطرة اليزنيين (عبد الله الشيبة وموللر). اعتبر جام يمنت كل ما يقع جنوب سبأ، وأما جاك ريكمانس فقد اعتبر يمنت سواحل تهامة التي تم رافق إضافة يمنت على اللقب الملكي بعد ضمها لحمير.
ولا يستبعد كريستيان روبان بأن تكون يمنت تشير إلى أواسط جزيرة العرب – أي المناطق الممتدة من نجران إلى قرية الفاو التي كانت تحت سيطرة مذحج وكندة في القرن الثالث الميلادي – أي جنوب أواسط جزيرة العرب المعروفة اليوم بنجد.
كما ترون فباب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه ومن الصعب الوصول الى العثور على مدلول جغرافي واضح للفظة يمنت.
يمن : “جنوب جزيرة العرب” –> <مضاد للفظ الشام “بلاد الشام/سوريا اليوم”.
نقش ريكمانس 507 (قراءة غير مؤكدة) : وككل فيح ي(م)ن وهبو (؟) “كل سكان اليمن وهبوا ” (؟).
ريكمانس 510 (قراءة غير مؤكدة) : وسبأو بأشعبهمو سبأ وحميرم ورحبتن وحضرمت و(ي..)ن وبعم أعربهمو كدت ومذحج وبعم بني ثعلبة ومذر”وحاربوا مع قبائلهم سبأ وحمير والرحبة وحضرموت و(يم)ن ومع أعرابهم كندة ومذحج ومع بنو ثعلبة ومضر…”.
استخدام النسبة “يمني”.
نقش درب البكرة – على طريق تبوك ومدائن صالح : وهب ثون يمنين أزجدين “وهب ثون اليمني الأزجدي” – القرن الأول ق.م.
ريبرتوار 4264 وادي رمّ (على حدود الأردن مع السعودية) : شكر يمنين هبس “شاكر اليمني هوبس” – القرن الأول الميلادي
صاحبا النقشين سبئيين لورود الاسم ثون احد القاب ألمقه “ثهوان” وهوبس احد آلهة مملكة سبأ. والنقشان يعودان الى بداية العهد الميلادي، لذلك لا علاقة للفظ يمن هنا بلفظ يمنت في نقوش متأخرة القرن الرابع-السادس الميلادي. الملاحظ ان أصحاب النقوش التي تنتمي الى اليمن لا تنتسب الى سبأ مع انهم سبئيون.
خلاصة الكلام وخير الكلام ما قل ودلّ أن لفظ اليمن المعروف لدينا من الصعب ربطه جغرافيا بالألفاظ المستخدمة في النقوش العربية قبل الإسلام، مع ان جذر الكلمة هو نفسه.
أ.د. أحمد السري
أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته
خليك معناالمصدر: ملتقى المؤرخين اليمنيين – شبكة الوفاق التاريخي