«بين مثقفي صنعاء ومثقفي تعز نقطة ارتكاز رئيسة، تحافظ على توازن صنعاء وتهوي بتعز نحو الإنحدار المتكرر».
بدأت الأحداث في صنعاء تتوتر بشكل بارز وملحوظ.
توقع كثيرون أن تتطور إلى أبعد مما هو الآن، لكن ما حدث فعلاً هو أن العقلاء تحدثوا بخطابات متزنة، أسهمت بشكل كبير (ونجحت حتى الآن) في احتواء التوتر، وتهدئة العنف اللفظي، كما كرست التلاحم والتماسك المجتمعي بين مكوني «أنصار الله» و«المؤتمر»، على الرغم من كل خطابات التحريض الذي قادته وسائل الإعلام الخارجية وجمهور وقواعد المكونين، بالإضافة إلى بعض الصحافيين محدودي القدرة على نشر الرسائل البناءة التي تعزز من الترابط المجتمعي، وليس الرسائل الهدامة التي تقود نحو المزيد من الإحتقان وردود الفعل الغاضبة.
نجح مثقفو ومشاهير صنعاء في منصات التواصل الإجتماعي في تهدئة الموقف وامتصاص الشحن والكراهية لدى قواعد المكونين، تلك الكراهية التي ظهرت مؤخراً مع تقاعس «المؤتمر» عن رفد جبهات الحدود بالمقاتلين، ثم مع مبادرة مجلس النواب، وصولاً إلى فعالية ذكرى تأسيس الحزب، وانتهاء بأحداث جولة المصباحي؟ وما زال مثقفو صنعاء (حتى الآن) حرّاساً أكفّاء لمنع اندلاع أي مواجهات مسلحة داخل العاصمة، والتوجه نحو سيناريو اقتتال بين شركاء المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الوطنية.
على بعد 256 كيلو متر من العاصمة صنعاء، هناك في تعز، المدينة التي ينتمي إليها ثلث مواطني اليمن، وأكثر مدينة يحمل أبناؤها شهادات تعليمية في مجالات متعددة، أخفق مثقفوها في حماية مدينتهم من الدخول في صراع مسلح. فقد اندلعت الحرب الأهلية منذ أكثر من عامين دون أن يتم رفضها أو محاولة التصدي لها، حتى أن مبادرات إيقاف الحرب التي تم تقديمها من سياسيين لم تنل الإهتمام المطلوب من المثقفين القاطنين في المحافظة.
مثقفو تعز ظهروا في موقف باهت، تحول الكثير منهم في فترة وجيزة إلى نافخي النار التي أكلت المدينة وزادتها حطاماً فوق ذاك الحطام الذي انتشر في حرب 2011 الأهلية، وزادوا من ظهورهم الباهت حين حاولوا تجييش أبناء جارتهم إب نحو الإقتداء بمدينتهم المدمرة، والتي أصبحت مسرحاً للجماعات المسلحة متعددة الإنتماءات والولاءات.
لقد تخلى العديد من مثقفي تعز عن دورهم المناط بهم، ذلك الذي يجبرهم على أن يكونوا أعمدة لبناء السلام وتماسك المحافظة وعدم انجرار أبنائها إلى العنف والصراع المسلح، أو سقوطها في حرب أهلية لا يخسر خلالها سوى المدنيين الذين يسقطون ضحايا ثم يتحولون إلى قضية يرددها مثقفو المحافظة بعويل غير سوي، ويقايضون بهم أي جريمة أخرى تحدث في اليمن. ولعل الجريمة الأخيرة التي ارتكبتها قوات الحوثيين في بير باشا، والتي راح ضحيتها أبرياء، هي أكبر دليل على تحويل دماء مدنيي تعز إلى مقايضة بين دمائهم ودماء مدنيين آخرين سقطوا ضحايا لمقاتلات «التحالف».
حين غاب دور المثقف الحقيقي في المحافظة، تحولت تعز إلى فوضى تزداد، وتجارة حرب لا تتوقف، واستهداف ممنهج للتنمية والتعليم وصل حد استهداف رؤوس المال، واستخدام مدارس المحافظة كثكنات عسكري،ة ومراكز لإدارة العمليات القتالية، ومحاكم تصدر أحكاماً حضورية وغيابية، وسجون خاصة بالجماعات المسلحة تقوم بمهمة النظر في القضايا والشكاوى في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
لم يعد يُشار إلى تعز بكونها عاصمة الثقافة، بقدر ما يتم ربطها بـ«المُفصّعين» من لصوص المحال التجارية، أو مقتحمي الشوارع، أولئك الذين يغطون وجوههم وأجسادهم باللون الأسود، ويحاولون إغلاق المحال التجارية قبل الصلوات عبر إطلاق رصاص كثيف وعشوائي أثناء ازدحام الأسواق بالمتسوقين لاحتياجات العيد. لقد غرقت تعز في عُمق الصراع الأهلي والطائفي الذي وصل إلى مرحلة الدفع بالمثقفين نحو المشاركة في صراع مسلح لا يخسر فيه سوى اليمنيين.
إستذكار:
بين مثقفي صنعاء ومثقفي تعز نقطة ارتكاز رئيسة، تحافظ على توازن صنعاء وتهوي بتعز نحو الإنحدار المتكرر.