أخفق البلاط الملكي السعودي في حسم الجدل القائم حول تسمية “ولياً لولي العهد” ، منصب الأمير المجهول لازال شاغراً منذ قرابة الأربعين يوماً ، ويتوجب شغله من أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ومن غير أبناء سلمان ، وقد كان مقرراً أن يتم الإعلان عنه رسمياً قبل مغادرة الملك سلمان أراضي المملكة لقضاء إجازة طويلة ، يعتقد مراقبون أنه سيقضيها في مدينة طنجة المغربية.
غير أن المهمة بدت شديدة التعقيد رغم الفرص والوقت الذي أتيح أمامها وانتهت بالفشل مراراً ، مما اضطر العاهل السعودي للمغادرة وهو الأمر الذي يشي بتفسير واحد لمشهد ساخن تعيشه القصور الملكية وتعكس حالة من الاحتقان والغليان داخل أجنحة أميرية تمارس الامتعاض وتستمر في مواصلة الرفض ، إذ لا ترى في الأمير محمد بن سلمان أهلية لتتويجه ملكاً ثامناً للبلاد على اعتبار أن وصوله لولاية العهد قد خضع لمخطط تآمري أسقط حق الفروع الأخرى من العائلة في الوصول إلى العرش ومحاصرتهم بسلطاته التي اكتسبها تحت مظلة والده.
في معركة الخلافة الأكثر خطورة في تاريخ البلاط الملكي السعودي لا توجد قواعد رسمية تحدد كيفية اختيار منصب ولي ولي العهد ، وبما أن مهارة الآلة الإعلامية قد نجحت في اللعب على “مدارات التأثير” إلى أن بات الشعب السعودي مهيأً لإعلان التنازل عن العرش وتنحي الملك سلمان لصالح نجله “محمد” ، فإنه من المحتمل أن يذاع التسجيل الذي كشفت عنه صحيفة “وول ستريت ” ويتضمن تسجيلاً مصوراً للملك سلمان وهو يعلن التنازل عن السلطة لنجله ، وقد يجري التحضير لذلك خلال فترة الاستراحة التي يقضيها الملك وقبل أن يتم تسمية ولي لولي العهد ، وإن كان العارفون بدراماتيكية القصر الملكي يستبعدون مثل هذا الاحتمال .
غير أن ذلك لو تم فعلياً واستيقظ ملايين السعوديين بل وملايين الناس في المنطقة على واقع جديد تصير في السلطة السعودية في يد شاب ثلاثيني غير مخضرم يهوى المجازفة ، ويخوض منافسة شرسة مع أبناء عمومته ، على اعتبار أن النافذون منهم يرون أن لهم الأحقية في الحكم ، وفي ذات الوقت سيضطر هؤلاء إلى حبس الضغائن في صدورهم وتحضيرها للزمن ، كون أن قمة ترامب وتحالفه المعلن في الرياض وأن تحديات الحرب في اليمن والأزمة في قطر والمنافسة الإقليمية مع إيران ، هي تحالفات وأزمات وحروب سعى محمد بن سلمان لتعميقها وافتعالها ليتمكن من التحصن خلفها في مواجهة باقي الأجنحة التي تتطلع في الوصول للسلطة منذ عقود وتعمل لأجل ذلك .
الأجنحة الأميرية المعارضة لمحمد بن سلمان تدرك ان استمرار الجناح السلماني في تلك الخطط ستقود دون قصد إلى تحالفات جديدة فق المنطقةلتتصدى لهيمنتها، وداخلياً في أروقة البيت السعودي تظهر بملامح التمرد الأولية وتخرج صراع أجنحة آل سعود الأميرية إلى العلن ، سيما وأن تسريبات الإطاحة بالأمير متعب بن عبدالله وهو رئيس الحرس الوطني تمثل أحد أهم هواجس الأمراء وتثير القلق أوساط الأمراء من أحفاد الملك عبدالعزيز وهم بالعشرات ، إذ أن تلك التسريبات تأتي على وقع حملة التشوية التي تطال ولي العهد الذي أطيح به لتدمير سمعة الأمير محمد بن نايف مهندس امن المملكة ، وعلى وقع هجوم غير مسبوق ينهال على الأمير عبدالعزيز بن فهد ، إضافة لاعتراض مقرن وأحمد وطلال أنجال المؤسس ، وكلها أجنحة نافذة ستدفعها تصرفات محمد بن سلمان نحو التكتل ووضع مخططات استباقية مضادة للجناح السلماني .
منصب الأمير المجهول لازال شاغراً ولا يحتمل المجازفة ، وبالنسبة للأمراء النافذون في الجيل الثاني وأحفاد المؤسس من الجيل الثالث بات المنصب يخضع لحسابات هندسية عميقة بل وأكثرها حساسية ويمكن البناء عليها استراتيجياً لمستقبل الحكم في مملكة آل سعود كونه التحدي الأخطر للبلاط الملكي السعودي الذي يخوض تجربته الأولى لانتقال خلافة العرش إلى أحفاد عبدالعزيز الذين يطالبون بانفتاح أوسع على أمراء الجيل الثالث ، ويخشون “مؤامرة ما” تذهب لاحتكار الحكم في فرع واحد من أبناء الملك المؤسس ، وخرق التعديل الذي جرى على النظام الأساسي للحكم في المادة الخامسة القاضية بعدم منع الجمع بين منصبي الملك وولي العهد في فرع واحد ، إذ أن خرق المادة في زمن سلمان يأتي لمن بعده ، سيما بعد موجة الصعود المريبة للأمير محمد بن سلمان الذي أنهى صعوده إلى ولاية العهد في 21 حزيران/يونيو الماضي بلا رادع ، أو ضابط يمكن الاستناد به.
السرعة الفائقة التي أصبح بها الأمير محمد بن سلمان الملك الفعلي للعربية السعودية بعد عامين من التكهنات والضرب تحت الحزام والمناورات التدميرية الحية كما يروق لبعض المراقبين تسميتها، تمت بتجريد باقي أفراد العائلة من الصلاحيات السيادية واكتساح محمد بن سلمان للجهاز البيروقراطي للدولة وتمكنه من اختراق دوائر القرار داخلياً وخارجياً والتأثير عليها ، ومحاولة تأمين كافة مؤسسات المنظومة العسكرية والأمنية داخل المملكة ، والسعي الحثيث للتخلص المتتالي من معارضيه الذينكانت تتلى عليهم سيل من القرارات الصادمة عند ساعات الفجر ، مستغلاً تربع والده على أعلى قمة في السلطة الذي عمل على تهيئة المناصب وجعل جزءاً كبيراً من السلطة في يد نجله المتهور وبغضون أقل من سنة واحدة .