خوض “عاصفة الحزم” حرباً مفتوحة مع اليمن بقيادة محمد بن سلمان مثلت بالنسبة لمستقبله الحافل نقطة مفصلية ، دشن بها حضوره الدولي ، وفتحت الأبواب واسعة أمام تطلعه نحو منصة التتويج وحلمه بأن يكون الملك الثامن للمملكة بلا منازع او منافس ، ليبدأ الأمير الشاب بقطف أولى ثمار حربه في اليمن التي فشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة ، غير أنه استطاع بأريحية تامة استخدامها في إخماد أصوات الجميع ، ورص الصفوف خلفه ليحقق أغراضه ويبدوا الحاكم الفعلي للمملكة.
كان لابد من خلط الأوراق وإرباك المنطقة بالأزمات ، بل وتعنيف المشهد سياسياً وعسكرياً لخلق حالة تأزم شديدة تحيط بالمجتمع السعودي وتجرُّه نحو تأثيرات مفتعله من شأنها انتاج مجموعة عوامل شديدة التأثير يتم استهلاكها كشواهد مفزعة تمس السلم الأهلي للبلاد ، كما يسهل تحويرها إلى تبريرات وازنة تتيح تسريع خطوات تغيير النظام الأساسي السعودي ، وبدون تلك الفوضى والاختلالات لا يمكن ضمان انتقال الحكم الملكي إلى عائلة سلمان بشكل مريح ، فليس من حق “سلمان” وهو الملك السابع للملكة تنفيذ انقلاب على مستوى من الخطورة ، قبل إنجاز ترتيبات حاسمة مع الإدارة الأمريكية من جهة، والمؤسسة الدينية المتمثلة بهيئة كبار العلماء من جهة ثانية، ومنظومة الأسرة الحاكمة من جهة أخرى ، واسترضاءها قبيل تنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد ليصبح وريثاً للعرش بعد والده سلمان .
الآن صار محمد بن سلمان ولياً للعهد كأمر مفروض وحق أصيل يعد تجاوزه هو الأمر الأصعب.! وبات بديهياً أن يتنازل الملك سلمان عن الحكم لصالح نجله محمد ويبقى الجدل منحصر في التوقيت فقط ، هذا ما يخطط له الملك سلمان ليطمئن على مشروعه المتمثل بتثبيت عرش نجله وهو لا يزال على قيد الحياة ، ما يعني أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة السعودية التي ينجح ملك من أبناء المؤسس عبدالعزيز في افتعال سلسلة من الأزمات والإرهاصات الواسعة التي مهدت لتنصيب ابنه ولياً للعهد ، فيما جرب الملوك “سعود ، والفيصل ، وفهد ، وعبدالله” فعل ذلك وفشلوا.! باعتبار أن حصر السلطة في فرع واحد من أبناء الملك وليس في العائلة المالكة أمر يستحيل تحقيقه في حال تعيش المملكة ظروفاً طبيعية ، بوصفه تحول يغير تاريخ حكم آل سعود ويجعل الخاسرون من نمط التغييرات يتكاثرون إلى قدر يصعب التكهن بما سوف تكون عليه ردود الفعل والمقاومة من البنية القديمة داخل أسرة آل سعود.! ما استدعى اللعب على “مدارات التأثير” ، والاندفاعة الشديدة في شكل ومستوى التدخل العسكري في حروب دول المنطقة ، والارتكاز على حرب اليمن كمحور أساس لإعادة انتاج الحكم بالطريقة السلمانية .!
حرب اليمن التي أطلقها محمد بن سلمان عقب ثلاثة اشهر من تولي والده عرش المملكة، وضعت تحت يده أضخم ميزانية تسليح تاريخية على الإطلاق ، وحققت رغبته في إغراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي التقاه في 14 آذار الماضي بصفقات تسليح مفتوحة جعلت منه رجل أمريكا الأول في السعودية بدلاً عن محمد بن نايف الذي كانت تعول عليه أمريكا لحكم البلاد ، وبعد زيارة ترامب للرياض الذي عاد بعدها إلى بلاده مبشراً بغنيمة باهضة الثمن لقاء صفقة سميت بـ”صفقة القرن” ، فضمن الأمير موافقة حاسمة من الإدارة الأمريكية في توليه العرش .
ومنذ وقت مبكر اشتغلت آلة دعائية فتاكة بصحبة المؤسسة الدينية المتمثلة في هيئة كبار العلماء داست على وتر الخطر الإيراني المجوسي الذي بدأ خطره يدك الحد الجنوبي للمملكة ، وانسجمت المؤسسة الدينية في مسايرتها بحماسة منقطعة النظير ، وبذلك يكون الأمير قد حصل على الموافقة الثانية التي تربطه بمنصة التتويج ، وتبقى تقديم ضمانات شكلية وترضيات داخل منظومة الأسرة الحاكمة أتت لاحقاً بتعديل المادة الخامسة من النظام الأساسي السعودي.
من بوابة الحرب في اليمن وعلى جثث اليمنيين وصل “بن سلمان” إلى العرش ، ولم يترنح طويلاً فقد أطاح بمحمد بن نايف آخر العقبات في طريق الوصول ، بينما الحرب التي دمرت اليمن وأتت على كل شيئ لم يكن الهدف الحقيقي منها اسقاط انقلاب صنعاء المزعوم ، بل لإنجاز انقلاب أبيض في الرياض أسدل الستار على الأمير مقرن بن عبدالعزيز ومن بعده الأمير محمد بن نايف الذي انتظر دوره إلى أن عزله سلمان بذات الطريقة وفي توقيت ليس ببعيد ، دون الاتعاظ بسيناريو عمه ، كما لو أن اللعبة قد انتهت .
ثمة احتمال يقول أن محمد بن سلمان ربط مصير الحرب في اليمن بمصير وصوله إلى الحكم وتثبيت عرشه إلى أن تتم مبايعته ملكاً للبلاد ويأمن كل المخاطر، ما يعني بنظر نخبة المراقبون أنه لايزال هناك متسع من الوقت أمام الحرب في اليمن ، وسيكون من الصعب على محمد بن سلمان التخلي عن حرب اليمن بسهولة ، لضمان استثمارها في مواجهة أي تقلبات مباغتة قد تنحرف بمسار توليه الحكم في أي لحظة من اللحظات..!