تتحرك السعودية والإمارات بالطريقة نفسها منذ تحول اليمن مسرحاً لصراع قاسٍ وعنيف وأصبح الطيران الحربي السعودي والإماراتي يفرضان سيادة مطلقة على المجال الجوي اليمني قبل نحو عامين ونصف العام، ومكنها الوصول السهل لزعامات سياسية وقبلية وأخرى عسكرية من استخدامها في الحرب وتحريكها كأدوات قابلة للإهلاك وقابلة للتبديل ولخوض صراعها داخل الأراضي اليمنية،
ورغم أن أهداف عاصفة الحزم المعلنة تبدو عسيرة المنال، إلا أن السعودية والإمارات لا ترغبان في الخروج من هذه الحرب بلا مكاسب خاصة يعزز طموحهما السياسي والاقتصادي والعسكري ودر كل منهما كقوة متنامية ذات تطلع إقليمي.
و بناءاً على جملة من الحسابات والأهداف الاستراتيجية غير المعلنة، فإن الممكلة لن تقبل بأقل من السيطرة التي تسعى القوات الإماراتية إلى بسط نفوذها عبر أدواتها وتشكيلاتها المسلحة بعيداً عن صيغ التعهدات التي التزمت بها “عاصفة الحزم”، إذ لم يعد مهماً الآن العودة بالشرعية إلى صنعاء ومن ثم تمكينها ، باعتبار أن الشرعية قد تحولت أو هي في طريقها إلى أن تتحول إلى عبأ على دولتي التحالف “السعودية والإمارات” كون الدور الجديد يكشف عن مسارات وخطط أخرى لم يتم الحديث عنها طيلة ثلاثون شهراً.
مع استمرار استفراد الإمارات بمساحة ممتدة على الكثير من المدن والمناطق الجنوبية والشرقية ، غير أن السعودية والإمارات انطلقتا مؤخراً وفي توقيت واحد صوب مرافأ وحقول النفط لتضع يدها عليها ، وتخوض تنافساً شرساً من أجل السيطرة على تسويقها وبيعها وبامتياز حصري تسعى للحصول عليه مستفيدة من تبعية الرئيس هادي وحكومته لتمرير ما تريد وبالتالي التحكم في قطاعات نفطية ونقل امتيازات التنقيب إليها بدلاً عن الشركات الأجنبية ، وأن هذا التحول لا يعني أن التحالف السعودي الإماراتي لم يعد يستشعر حجم الخطر والتهديد الذي لازال يمثله طرفي صنعاء “صالح الحوثي” الذين زادوا من هجماتهم في مياه البحر الأحمر فيما المناطق الجنوبية للمملكة باتت خارج سيطرتها وأخذ الخطرالذي يمثله الحوثي وصالح يتفاقم وتتمدد رقعته .. لكن ذلك فيما يبدوا هو ما يدفعها لاعتماد استراتيجية معدلة لكسب مزيد من الوقت ، او بحثاً عن مكاسب فورية تخفف وطأة شعورها السيئ إزاء إخفاقها بتحقيق انتصار حاسم على الأرض.
تريد العربية السعودية الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية بدولة الإمارات ، حليفها الأبرز في تحالف عاصفة الحزم ، كما أن محمد بن سلمان يبدو ممتناً جداً لـ محمد بن زايد ولدوره في إقناع البيت الأبيض بأن يتم التصعيد به ولياً للعهد السعودي ، وهو الأمر الذي يحافظ على علاقة حميمة بين دولتي التحالف وينطلق على أساسها حل الصدامات والاحتكاكات المباشرة ، واحتواءها مؤخراْ في محافظة شبوة بين قوات “النخبة الشبوانية ” المدعومة إمارتياً و”قوة حماية الشركات النفطية” التابعة لعلي محسن نائب هادي في الرئاسة التي اندلعت يوم أمس الأول بمنطقة العقلة بالقرب من ميناء بلحاف النفطي الميناء الأول لتصدير الغاز المسال.
في الخطوات المتسارعة نحو حقول النفط والغاز ، تحاول الرياض اتمام اتفاقية تمنح الشركة السعودية “أرامكو” امتيازات حصرية لشراء النفط والغاز كبديل عن الشركات الأجنبية العاملة في شبوه ، وسعت حكومة الرياض لترتيب ذلك مع هادي وحكومته ، وعبر تقريب وجهات النظر المختلفة بين حكومة بن دغر وقيادة القوات الإمارتية في عدن وبعض المحافظات المجاورة لتتمكن الرياض من تمريرها دون أن تواجه اعتراضاً من أبوظبي ، وانعكست تلك الاتفاقات على تحركات بن دغر الأخيرة التي تتم بطائرات إمارتية عسكرية وبرققة ضباط في القوات الإماراتية.
بذلت الإمارات كل ما في وسعها لتشتيت الانتباه عن اهتمامها العسكري بالمنشآت النفطية والجزر والمنافذ والموانئ اليمنية الأكثر استراتيجية في المنطقة ، وهو توسع تتيحه الحرب القائمة في ظل نفوذ غير متكافئ بين سلطة الرئيس هادي وسلطة القيادة العسكرية الإمارتية ، وهو ما جعل وصولها للمناطق النفطية ميسراً ، وباتت على مقربة من أهدافها الرامية لوضع يدها على آبار النفط والغاز ، إما بذريعة مطاردة تنظيم القاعدة وتدمير قدرة التنظيم على شن عمليات إرهابية ، وإما بتسويق منهجي لإبعاد التنظيم عن حقول النفط كأمانة لصالح الشعب اليمني ، وهو المفهوم الآخذ في التقلص لدى اليمنيين الذين تراجعت ثقتهم في ضوء تحركات الإمارات المشبوهة ، التي بدأت بذريعة التدخل العسكري السريع لإعادة الشرعية إلى صنعاء كجزء من التحالف العسكري السعودي ، وسرعان ما انتقل الدور نحو التوسع والانتشار المسلح فالسيطرة دون القبول بتواجد الأطراف الموالية للعربية السعودية وهي خطط لا يتردد البعض في وصفها بالنزوع الاستعماري.
خلف الحرب المشتعلة في اليمن ، تلوح بوادر حرب نفطية وتزيد وتيرة التنافس السعودي الإمارتي عليها في محافظة شبوه ، وهي إحدى المحافظات النفطية، وترفد الاقتصاد اليمني بحوالي 25% من موازنته العامة، إذ تمتلك 5 قطاعات إنتاجية و11 قطاعاً استكشافياً و7 قطاعات مفتوحة، ابرزها 3 قطاعات (عسيلان والعقلة وعياذ) ، ويعتبر حقل العقلة النفطي ثاني أكبر حقول النفط في اليمن ، بينما يتركز الغاز في بلحاف وهو ما قد يغطي احتياج الإمارات من الغاز التي تعتمد على استيراده من دولة قطر الذي أعلنت عليها حظراً اقتصادياً وسياسياً مفتوحاً بالتحالف مع “السعودية ومصر والبحرين”.
مجريات التحرك العسكري لـ “ابوظيي والرياض ” في الآونة الأخيرة وانتقاله نحو مرافأ وحقول النفط ، لعله جانب من الجواب على السؤال المحير الذي يقف وراء شن حرب مقتوحة على اليمن ، فهل سيتكرر سيناريو بيع النفط العراقي بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق ، وهل نتوقع استخدامه لاسترداد جزءاً من تكاليف الحرب العالية ، وتمويل صفقات الأسلحة التي قتلت الألآف من اليمنيين ودمرت بنية الدولة اليمنية ، وتجيير مستقبل النفط اليمني ليبقى رهن المصالح السعودية الإمارتية ولا يخضع لمعايير وضوابط سوق النفط العالمية.