في خِضم تزاحم الحُروب والكوارث الإنسانية التي تجتاح المنطقة العربية ومُعظم دولها، يَجد المرْء لِزامًا عليه التوقّف عند بعض الأخبار ليس لأهميّتها، وإنّما لما يترتّب عليها من انعكاسات لافتة تُسلّط الأضواء على مُفارقات السياسات العربية، وخير مِثال في هذا الصّدد ما حَملته إحدى وكالات الأنباء الهامشية، من أنباء حول لقاء السيّد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدّول العربيّة، مع السيّد إسماعيل ولد الشيخ، المبعوث الدولي إلى اليمن، لبحث الأزمة اليمنية.
غرابة الخبر تكمن في نِسيان العرب لأزمة اليمن، وللجامعة العربية معًا، في ظل الأزمة الخليجية، أو أزمة الأثرياء العرب الأُخرى، وانشغال الجميع في مُتابعة صِراع الحيتان، والصّناديق الماليّة السياديّة، والتدخّلات الخارجية، والأمريكيّة منها خُصوصًا، لتأجيج هذا الصّراع، من خِلال الرّسائل والتصريحات والمواقف المُتناقضة في كثيرٍ من الأحيان.
الوساطات المُتتالية التي يقوم بها وزراء خارجية دُول عُظمى مثل أمريكا وفرنسا وقريبًا بريطانيا، لا تُريد حلًّا لهذه الأزمة، بقدر ما تُريد استغلالها للبحث عن عُقود تجارية، وتوقيع صفقات أسلحة، لإدراك أصحابها أن أطراف الأزمة مُتوتّرة، وتُنفق المليارات لشِراء أسلحة، وشِراء مواقف الدّول لصالحها، وهذا ما يُفسّر تقاطر وزراء خارجية السّعودية والإمارات وقطر على العواصم الغربية، ومراكز أبحاثها لمُهاجمة الخُصوم وتثبيت تُهم الإرهاب ضدّهم.
لم نكن في أي يومٍ من الأيام من الذين يعيرون أهميّة للجامعة العربية، مُنذ أن فقدت هويّتها ودورها بفضل غِياب تأثير دول المراكز ذات الرّسالة الوطنية في مُحاربة الاستعمار ومُؤامراته، وتحشيد الأمّة وطاقاتها باتجاه الأراضي والمُقدّسات المُحتلّة، وهيمنة المال العربي عليها وقراراتها، وتحويلها إلى أداة، أو غِطاء، لتشريع التدخّلات العَسكرية في المنطقة العربيّة تحت عُنوان دعم ثورات عربية مُعظمها مُفبركة، في سورية وليبيا واليمن، لإغراق المنطقة في حالٍ من الفوضى والحُروب الدمويّة التي نراها حاليًا، ولكنّنا نَستغرب غِياب، أو تغييب الجامعة العربيّة كُليًّا عن الأزمة الخليجية، ومن دُول ظلّت صاحبة القرار الأول فيها طِوال السّنوات العشر الماضية، ووصل الأمر بها إلى تجميد عُضوية سورية، الدولة المُؤسسّة فيها، ومَنح مقعد ليبيا للمُعارضة المَدعومة من حلف الناتو.
لا نعرف أسباب هذا التغييب حقيقة، ولا نعتقد أنّه يعود إلى مواقف أمين الجامعة، السيّد أحمد أبو الغيط، المُؤيّدة للتطبيع مع دولة الاحتلال عندما كان وزيرًا لخارجية بلاده، وحديثه عن تكسير أطراف أي فِلسطيني يَخرق الحُدود المِصرية من جِهة قِطاع غزّة، وإعلان السيّدة تسيبي ليفني الحرب على غزّة في مُؤتمر صحافي مُشترك معه في شرم الشيخ، فمُؤهّلات السيّد أبو الغيط هذه هي الأكثر تأهيلًا له ليكون مُقرّبًا من الدّول الخليجية، أيًّا كان خندقها، لأنّها تنخرط حاليًا، ودون أي استثناء في عمليات تطبيع مُتقدّمة، وتنسج تحالفات عسكرية واستخبارية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي انتقلت من خندق الأعداء إلى خندق الأصدقاء والحُلفاء.
عندما كانت الدّول الخليجية مُتّفقة، وتتغنّى بخُصوصيتها ووحدتها السياسيّة والديمغرافية، وتضع الخُطط للتدخّل العسكري في ليبيا وسورية واليمن، كانت الجامعة العربيّة أحد أبرز أدواتها، وميدان تحرّكها الآن، وبعد أن انقسمت ابتعدت عن الجامعة، وهمّشت دورها، وقذفت بها إلى سلّة النسيان، ولا نُريد أن نقول أكثر من ذلك.
الغريب أنّ الجامعة، وأمينها السيّد أبو الغيط، راضون بهذا التهميش، ولا يَعترضون عليه ولو بتصريحٍ “مُغَمْغَم” وناعِمٍ جدًّا، ولذلك لا نتعاطف معهم مُطلقًا، وإن كُنّا نتأسّف على أيامٍ كانت فيها هذه الجامعة مِنبرًا للوطنيّة والعمل العربي المُشترك في حُدوده الدّنيا على الأقل.
قادة الخليج أو مُعظمهم، همّشوا الجامعة، وجوّعوا اليمن، وبذروا بُذور الفوضى والتقسيم فيه، ونَشروا وباء الكوليرا في رُبوعه، وقَتلوا وأصابوا الآلاف من أبنائه، وتعاون معهم كل من هو باحِثٍ عن مال، أو فتاته، ولهذا لم يَجد المبعوث الدّولي ولد الشيخ من يَجتمع به، لتبرير وُجوده، إلا السيّد أبو الغيط، الذي لم يَعد لديْه ما يَفعله ليُبرّر دَوره ومَركزه، وربّما راتبه أيضًا.