يبدو أن الجهود السعودية فيما يخص العمل على إسقاط النظام الإيراني، لا تقتصر هذه الأيام على حشد مُؤتمرات المُعارضة، واستعراض كلمات لرموزها على الشاشات، بل يتعدّى الأمر إلى الانتقال لدعوة الدعاة إلى التوقّف عن الدعاء على اليهود، والبدء بالدعاء على “الشيعة” وإيران، فهذا بحسبهم من فقه النوازل.
يختلط الحابل بالنابل، فلا يدري المُراقب للشؤون السعودية أي الأمور أقرب إلى التحقّق، أو بالأحرى أكثر أهميّةً وأولوية بالنسبة للقيادة، هل هو تسريع إعلان التطبيع مع إسرائيل، أم إسقاط إيران بولاية فقيهها، أم أن تحقيق كليهما، فالتوقّف عن الدعاء لليهود يُمهّد للتطبيع، والدعاء على “الشيعة” يُسقط إيران.
لا نعلم، إن كان هناك من يُصدّق بالفعل أن البدء بالدعاء على إيران، سيُستجاب له عند الخالق، فنحن كم دعونا على اليهود على طريق “إعداد العُدّة”، وحتى اليوم لا تزال بلادنا فلسطين مُحتلّة، واليهود في أحسن أحوالهم.
نعود إلى مؤتمر المُعارضة الإيرانية الأخير، والذي بثّته قناة “العربية”، ووصفه المُحلّلون بأنه عُرس يُمهّد للديمقراطية في إيران، السؤال هُنا هو ليس في القُدرة على التحشيد الإعلامي، واعتلاء المنابر، فهذا أمر اعتدناه في سورية من قبل، ولم يُعطِ أُكله، بل بالواقع الملموس الذي تحتاجه المُعارضة الإيرانية من داعميها في مشروع إسقاط ولاية الفقيه، والعربية السعودية بالتأكيد ليست في أحسن أحوالها.
بالنظر إلى الداخل الإيراني، هناك وحدة حال بين الحكومة والشعب، والثغرات التي تبحث عنها المُعارضة والسعودية من خلفها، تبدو قليلة أو شبه معدومة، والورقة الوحيدة هي تثوير الأقليّات (الأحواز)، ويبدو فيما يبدو أن مُطالبات تلك الأقلية، سارعت الحكومة الإيرانية إلى احتوائها، ومنها مشكلة انقطاع الماء والكهرباء، وهي مشاكل خدمية أكثر منها سياسية.
خيارٌ آخر، وهو تثوير ذات الجبهة الداخلية الإيرانية، إمّا بخلق بؤر إرهاب كما حصل في التفجيرات الإرهابية الأخيرة في العاصمة طهران، وبالتالي تهديد أمان الجبهة، أو خلق حالة من اللاثقة بالقيادة الإيرانية، والحديث عن وضع اقتصادي مُتهالك، وقمع سياسي للمُعارضين.
نعتقد أن كلا الخيارين، لا يُشكّلان خطراً حقيقياً على الجبهة الداخلية الإيرانية، فالإرهاب كانت رسالة الصواريخ التي أطلقتها القوات الجوية نحو دير الزور، وأصابت أهدافاً لتنظيم “داعش” كفيلة بتشكيل حالة ردع، وإظهار مدى الجديّة في الرد على من يُفكّر بتهديد الأمن الداخلي، أما فيما يتعلّق بعدم قُدرة الحكومة على إطعام الإيرانيين، وهو أمر تم التطرّق له كثيراً في مؤتمر المعارضة الإيرانية المُنعقد في باريس، وهو أمر يُخالف الواقع، ولنا أن نُلقي نظرةً سريعة على أرباح صادرات البضائع الإيرانية، والتي وصلت إلى حوالي المليار دولار، جرّاء الأزمة مع قطر فقط.
في الخيار السياسي، الحكومة الإيرانية، شأنها شأن أي حكومة في هذا العالم، تُمارس قوانينها على من يُعارضها، لكن القمع الذي تتحدّث عنه المُعارضة، هو جزء من حياة ديمقراطية تُمارسها المؤسسات في الدولة الإيرانية، فهناك انتخابات رئاسية وبرلمانية، وصناديق اقتراع، وحد أدنى من حُريّة التعبير، على الأقل مُقارنةً بتلك الدول التي تتحدّث عن ديكتاتورية إيرانية، وتُطالب بإسقاطها.
لا بد أن السعودية، تُدرك كل تلك الظروف التي تصب في مصلحة النظام الإيراني، ولكنها فيما يبدو قرّرت أن تخوض معركتها ضد إيران، والبداية من الإعلام مُروراً بالدعاء والابتهال لله، ليبقى السؤال المطروح، ما هي النهاية التي سيكتبها المُخرج السعودي، لمسلسل حلقاته الذي بات يُشبه “باب الحارة” في طول أجزائه، إن كان في سورية، اليمن، قطر، هذا عدا عن أنباء خلافاته الداخلية، وصراع أُمرائه على الحُكم، ووحدة صفّه الذي يتباهى بها، نحن نتشوّق بالفعل لمُشاهدة الحلقة السعودية الأخيرة، وحتى ذلك الحين اللهم أهلك أعداء العرب والمُسلمين.