مثلت زيارة السيد مقتدى الصدر إلى السعودية ولقائه بولي العهد السعودي حالة إندهاش لدى الكثير وثارت حولها أسئلة عدة وفي عدة إتجاهات ، فماذا تمثل بالنسبة للصدر كرجل دين عراقي شيعي ، وماذا تمثل بالنسبة للحكومة العراقية ، وماذا تمثل بالنسبة لإيران ، وماذا تمثل بالنسبة للسعودية .
قبل أشهر كان الاميرمحمد بن سلمان يتحدث لقناة تلفزيونية عن التحاور مع إيران قائلا أن من يؤمن وينتظر المهدي ليخلص العالم كيف تتفاهم معه ، و بالطبع هذا المنطق ليس منطقا سياسيا إبتدأ لكنه عكس صورة عن أن الموقف السعودي تجاه إيران موقف معمم على مختلف المكونات الشيعية ، و مكوّن الصدر في العراق ليس إلا أحد المكونات الشيعية و التي تؤمن الإمام المهدي كمنتظر لتخليص العالم بل وكان لديه ” جيش المهدي ” .
توسع الإرهاب ” داعش ” في العراق و إسقاطه لمحافظات بكاملها ذهبت بالحكومة العراقية لسياسة إشراك المواطنين في الدفاع عن بلدهم ضد هذا الخطر إلى جانب أجهزة الدولة الأمنية و العسكرية الرسمية ، ولم يمضي هذا القرار بسهولة فقد أصبح موضع سجالات سياسية كبيرة وخطيرة بين المكونات العراقية المختلفة . وكان دخول ” الحشد الشعبي ” ( الوعاء العسكري لمشاركة مجتمعية في المعركة ضد الإرهاب ) مسألة غير مرغوبة أمريكيا و سعوديا كذلك .
كانت السعودية قد خاضت سجالا كبير في مواجهة ( الحشد الشعبي ) كونها تراه مكونا يمثل الحضور الإيراني الأبرز في معادلة القوة العسكرية العراقية ، فهذا الحشد مكون من فصائل في غالبيتها شيعية ونظرة السعودية له منذ البداية هي تلك التي عبر عنها محمد بن سلمان في حديثه المتلفز السابق ذكره ، وشنت السعودية على الحشد حربا إعلامية و دبلوماسية واسعة و بلغ بها الحال الى الإقدام على إدارة إصطفاف عراقي ضد الحشد الشعبي من شخصيات عراقية ترفض هذا الحشد وهو أمر تسبب في أزمة حادة بين السعودية و العراق الذي رأى مسئولوه هذا العمل تدخلاً سافرا في الشأن الداخلي العراقي و خروج للسفير السعودي عن دوره الدبلوماسي المفترض وفق الأعراف التي تحكم الأداء الدبلوماسي .
أدارت الحكومة العراقية مسألة ” الحشد الشعبي ” إدارة مؤسسية أثر تأثر مؤيدوها ومعارضوها وفقا لقواعد العمل السياسي القانوني و تمت تغطيته أولا بقرار حكومي ثم تطور الأمر و فرض الذهاب للبرلمان ليتم تغطيته بقانون منه ، و بذلك أصبح ” الحشد الشعبي ” مكون رسمي قانوني بالنسبة للداخل العراقي ، ولكنه بالنسبة لسعودية لازال هو ذاته صورة من صور النفوذ الإيراني في العراق ، لكن مواجهته أصبحت أكثر صعوبة بعد الإدارة العراقية المؤسسية لسجالاته .
أصبح ” الحشد الشعبي ” قوة رسمية ولها قانون صادر من البرلمان ، و أصبح العراق أمام معركة ضد الإرهاب أنفتحت أعين العالم كله عليها فرضت حساب المواقف الصادرة من الجميع و السعودية أحدهم بشكل أكثر حساسية ، و قدمت الحكومة العراقية التطمينات اللازمة لمواجهة التخوفات التي كانت تثأر عمدا لضرب ” الحشد الشعبي ” و محاولة إيقاف مشاركته في المعركة ضد الإرهاب ، وأصبحت الحرب التي كانت تشنها السعودية ضد ” الحشد ” الشعبي غير مجدية بل وسترتد عليها سلبا كدولة تتبنى مواقف يترتب عليها إعاقة و تشوية الخطوات العراقية ” الرسمية ” لمحاربة الإرهاب و سيكون دورها في العراق مفضوحا كمساند للإرهاب بالعمل على إرباك جهود محاربته .
تراكم طويل من الخلافات و السجالات التيارية و السياسية و بذات بعد العلاقة مع إيران و الموقف من الحضور الامريكي في العراق جعلت الصدر وتياره أعلى الأصوات المختلفة و المعارضة ” للحشد الشعبي ” بصورته القائمة حتى بعد” ترسيمها ” من البرلمان ، بل أن هذا التراكم دفع بالصدر و تياره لتبني مواقف أبعد من معارضة ” الحشد الشعبي ” وإنما جنحت بإتجاه مواقف غير متوقعة بإتجاه الملفات الخارجية كمطالبته بتنحي الرئيس الأسد كموقف من مواقف المواجهه مع السياسة العراقية الرسمية التي توجهت للتدخل عسكريا في العراق ضمن المعركة مع الإرهاب .
فجأة ودون مقدمات توقفت تلك الحرب المسعورة ضد ” الحشد الشعبي ” ومشاركته في المعركة والتي كانت في ذروه سخونتها وليصل الجبير وزير خارجية السعودية إلى العراق مدشنا صفحة جديدة من العلاقة مع العراق وليدشن بذلك مرحلة مختلفة من تنفيذ السياسات السعودية المتعلقة بالملف العراقي .
كان العالم بأسره قد أتفق على دعم الحكومة العراقية لتحرير الموصل ومحاربة الإرهاب في العراق و كان التحول في الموقف السعودي أمرا مفروضا على السعودية كي لا تبدوا شاذة في مواجهة هذا الإتفاق وهو سلوك أبدته قبلها الإدارة الأمريكية ذاتها تجاه معركة الموصل التي تعادلت فيها أوزان القوى المتنافسة و أنفتحت عليها أعين العالم بكله ولا مجال للمواربة العلنية تجاهها ولا موقف متاح لأحد إلا إعلان التأييد للأساليب التي تقرها الحكومة العراقية لهذه المعركة .
فشلت كل محاولات الولايات المتحدة و كل محاولات السعودية ووجدا نفسيهما مضطرتين للسير مع التيار الجاد في محاربة الإرهاب ولو ظاهريا ، لكن المواقف بالطبع لم تتغير في جوهرها ولازالت النظرة ” للحشد الشعبي ” كحالة نفوذ إيرانية في العراق ولازالت النظرة للنتيجة العسكرية التي تتحقق في العرق بدحر الإرهاب من الموصل وبمشاركة الحشد في ذلك نتيجة لصالح إيران وتعزز من حضورها في العراق وهي بالطبع نتيجة سلبية بالنسبة للولايات المتحدة و المملكة السعودية .
الموقف السعودي في جوهره هو ذاته من الملف العراقي وما أختلف هو أسلوب العمل فيه ، وما دام أسلوب العمل بتلك الحرب الشرسة التي كانت تشنها ضد ” الحشد الشعبي ” ومشاركته في المعركة أصبح غير ممكنة للملابسات الواردة سابقا كان لابد من التحول لأسلوب آخر للنيل من ” الحشد الشعبي ” أو بعبارة أخرى تحمل وجهة النظر السعودية ” لمواجهة النفوذ الايراني في العراق ” ، و تمثل هذا الأسلوب في الإستفادة من العوامل المحلية المتاحة داخل العراق و التي لا يظهر إستخدامها كموقف مضاد للاساليب المقرة رسميا لمحاربة الإرهاب في العراق .
قفزت السعودية على وجهة نظرها تجاه العلاقات مع المكونات الشيعية التي ” تنتظر المهدي ليخلص العالم ” و تقدمت بإتجاه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر التي ترى انها بإمكانها أن تدعم وتستثمر معركته مع ” الحشد الشعبي ” على خلفيات أخرى متعلقة بالتوازنات التيارية و السياسية داخل العراق لصالح الهدف السعودي في الملف العراقي و المتمثل بمواجهة ” النفوذ الإيراني ” الذي بات عنوانه العريض ” الحشد الشعبي ” ودوره في فرض النتائج العسكرية على الأرض .
تظل مطالبات الصدر بحل ” الحشد الشعبي ” و دمج أفراده كأشخاص في الجيش العراقي موقفا يحمل قدرا كبيرا من الإيجابية ويحتاج فقط الى عدد من المواصفات التي تراعي الظروف المحيطة بالملف العراقي لعملية دمج أفراد ” الحشد الشعبي ” في الجيش العراقي ليتم ضمان حماية العراق وعدم تكرر تجربة سقوط المدن ” المريب ” في ايدي ” داعش ، لكن أن يصبح الموقف الصدري من ” الحشد الشعبي ” هو الوسيلة الجديدة للصراع الاقليمي في العراق هو الأمر السلبي الذي قد يتورط فيه الصدر وهو لايقدر الموقف و الملابسات المحيطة بالملف العراقي بشكل جيد .
الالتقاء في الموقف من ” الحشد الشعبي ” و مايرتبط بذلك من مواقف تجاه الملفين العراقي و السوري – ولو نسبيا – هي التي جمعت الصدر ببن سلمان ، لكن دوافع موقف كل طرف مختلفة تماما ومالم يستوعب الصدر هذا الأمر و يمضي في البناء على التماثل ” الضاهري ” بينه وبين الموقف السعودي فسيجد نفسه في يوم ما وقد تورط ولم يعد امامه الا أن يستمر في ذات الموقف لكن بالدوافع السعودية وليس بدوافعه هو ، على الصدر ان يستوعب أن الموقف السعودي هو الموقف الامريكي و هو ما يجعل الصدر عند التقائه مع الموقف السعودي يتعامل مع ” دبلوماسيات محترفة ” تعرف كيف تتغلغل و كيف تحتال على المواقف وصولا لفرض تغيير الدوافع وعلى الصدر ان يقدر هذا الامر جيدا قبل ان يقع ولا محل للندم عند تحقق ” النتائج السياسية “
نعم يحتاج الصدر و العراق للتركيز على التوصل لآلية دمج لأفراد الحشد تراعي التوازنات العراقية و عوامل الملف العراقي و العوامل المحيطة به ووضع الأرهاب كوسيلة تستخدم لفرض نتائج سياسية من قبل اطراف معروفة و تستحضر ضوابط عدم تكرار تجربة سقوط المدن و المحافظات في يد داعش بتلك الصورة المريبة لكنه لايحتاج للإستقواء بالموقف السعودي فالموقف السعودي لم يتغير لا في اليمن ولا في البحرين و لا في لبنان ولا في شرق المملكة و إن تغير تكتيكيا في العراق لما سبق التعرض له ، وسيضل الصدر و تياره هو ذلك ” الذي ينتظر المهدي ليخلص العالم ، و لا يمكن التحاور معه ” .