| بقلم:حسام بدران|
سنختلف ونبتعد قليلًا وسنرجع يومًا من جديد، لمَ لا؟ فلا خصام يطول ولا ود يدوم دون أن يعكرَه حقد الآخرين، هكذا نحن حينما تجمعنا أصولٌ مشتركة، ويكون بيننا روابط في صلة قرابة أو جيرة واحدة، لكن عزيزي احذر حين نختلف ونبتعد قليلًا أن نجرح بعضنا أو نجعل أنفسنا عرضةً للآخرين، ولا تغلق كل النوافذ بيننا، وحاول دائمًا أن تترك مسافة نلتقي بها؛ لندع لنا فرصة تعيدنا من جديد.
من حق كل دولة أن تحافظ على وطنها من أي خطر داخلي أو خارجي، ومن حق كل دولة أيضًا أن تحتفظ بقرارها السيادي ما لم يضر بالآخرين، دون أن نعرض الشعوب للتفرقة أو نجعلهم وسيلة اقتصادية أو اجتماعية للضغط على الأنظمة سياسيًّا، فالأنظمة تأتي وتذهب وتبقى الشعوب حاملةً الأوجاع من الصعب أن تعود، فنحن تعلمنا في العائلة إذا اختلف الآباء فليس للأبناء أن يختلفوا فيومًا ما قد نعود.
حين طالعتنا مذيعة قناة الحدث بخبرٍ تكاد هي لا تصدقه، بتصريحات لأمير قطر فيها عداء لبعض الدول الخليجية، فعلًا نعتقد أن كثيرًا لم يكن يصدق الخبر إلا من ينتظر مثل هذا، وبرغم أننا ظننا أن الأمر قد يهدأ إلا أنه في الخامس من يونيو/ حزيران بدأت الدول الخليجية السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر في إعلان مقاطعة دولة قطر، ومن ثم بدأت الإجراءات الاقتصادية في محاولة للضغط على المتمرد القطري، وبدأ كل طرف في ضم دول أخرى له.
كثير من الإجراءات من حق السعودية ومن معها أن تتخذها ضد الدولة القطرية طالما رأت أنها تمثل تهديدًا، لكن هل يجيز هذا للدول الخليجية إعلان ترحيل المواطنين القطريين من دولتها وعودة مواطني هذه الدول من قطر بالرغم من العلاقات العائلية والصلة التي تجمع الكثيرين منهم، حتى وإن كانت أعلنت المملكة مراعاتها لبعض الحالات؟
يسمونه مقاطعة أو يسمونه حصارًا كلها مسميات صنعها الإعلام، الإعلام الذي سرعان ما بدأ يتناول الأزمة بصورته التي لم نعتد عليها في أبجديات الأنظمة الخليجية، فبدا التجريح واضحًا من كل الضيوف سواء هنا أو هناك، وكأنهم منتظرون على هاتف واحد، مجتمعون على رأي واحد، بدأ كل إعلامي يدافع عن من يعمل عنده ويأخذ من أجره مهاجمًا الطرف الآخر، دون أي وعي وتساؤل عن ماذا بعد انتهاء الأزمة؟ كيف ستعود؟
سياسيًّا واقتصاديًّا بدأت الدول المقاطعة أو المحاصرة – باختلاف التسمية لدى كل طرف- في الضغط على المتمرد القطري الذي وإن كان بدا عليه التأثر كثيرًا إلا أنه سرعان ما استعاد أوراقه، وبدأ هو الآخر في التصدي لكل المحاولات والذي أثبت فعلًا أنه ليس بنظام بادئ، فهو نظام له ثقله السياسي والاقتصادي أكثير بكثير مما توقع أكثر المتشائمين؛ فخلال سنوات الربيع العربي بعُدت مصر كثيرًا وتفاقمت أزمات المنطقة على السعودية؛ فظهر المتمرد القطري ليثبت وجوده.
قائمة المطالب التي قدمتها دول المقاطعة للشعوب والمحاصرة للنظام يبدو أن النظام المصري والإماراتي كانا أكثر فاعلية في صياغتها؛ فمهما بلغت الأزمة لم تكن المطالب واقعية ولم تكن قطر بالفريسة السهلة لوضع مطالب مبالغ كثيرًا فيها، ولا حتى الإجراءات الاقتصادية أو السياسية كافية لكي نعلن انهيار إحدى أكبر القوى في المنطقة مؤيدةً من النظام التركي وحاضرة في ذهن النظام الإيراني، فحتى الآن لم تستطع هذه الدول إقناع المزيد من دول المنطقة لمقاطعة قطر أو حتى المنظمات، والتي هي أقرب للنظام القطري من غيره.
ماذا بعد الأزمة؟ هذا هو السؤال الأصعب، فإذا تحدثنا عن انتهاء الأزمة بأي صورةٍ كانت؛ ستنهار الثقة بين الدول الخليجية مع بعضها، وسيبحث كل طرف عن حماية نفسه خارج الإطار الخليجي، والذي قريبًا قد يُعلن انتهاؤه، بما في ذلك دولتا السعودية والإمارات، ستذهب كل دولة في تأمين نفسها من أي أزمة مفتعلة كهذه.
وإن تحدثنا عن عدم انتهاء الأزمة وتصاعدت؛ سيتم تشكيل قوى أخرى بالمنطقة تشمل قطر وتركيا، وقد تنضم إليهما إيران الأكثر فزعًا للسعودية والإمارات، بالإضافة إلى دويلات تحاول أن تلحق بهم كالسودان للبحث عن المال، أو نكاية في الدولة المصرية وغيرها، مما يعني تأجيج المنطقة أكثر وأكثر.
وستبقى الأزمة لدى الشعوب الخليجية والتي لا نعتقد أنا ترضى بمثل هذا؛ فلهم صلات وروابط كثيرة تجمع بينهم، حتى وإن اختلفت الأنظمة السياسية مع بعضها، فمثل هذه أزمة ستترك جُرحًا كبيرًا من الصعب نسيانه؛ فحقًّا هي ليلة بكى فيها الخليج.
خليك معنا