الأعمال الإرهابية التي تُقدم عليها داعش في مختلف أماكن انتشارها لا تتعلّق ببنك أهداف بالقدر الذي تتعلّق فيه بسلسلة رسائل مباشرة للحكومات التي تستهدفها وفي كل مرة ترسل المنظمة نوعاً جديداً من الايحاءات التي تأخذ نحو التساؤل حول غرفة العمليات التي تديرها، فبعد الاعتداءات بسيارات مفخخة او تفجيرات يقدم عليها انتحاريون وبعد نوع آخر من السلاح، وهو استخدام السكاكين من اجل الطعن تأتي اليوم مسألة «الدهس» التي تلفت نظر المتلقي العربي للخبر من دون سواه نظراً إلى أنها وسيلة اشتهر فيها العمل الفلسطيني المقاوم ضد جنود الاحتلال وسياسة الاستيطان.
ولقد حقق شبان فلسطينيون نتائج هامة من خلال استخدام هذه الوسيلة واستهداف تجمّعات من جنود الاحتلال، يتم اليوم وتحديداً او حصراً استخدام «ثقافة» الدهس في اوروبا لا في دول الشرق الاوسط ولا حتى في دول انتشرت فيها داعش لسنوات طويلة، فإذا كان هذا الأسلوب يستهدف النيل من العمل الفلسطيني المسلح، فإنه بالتأكيد أحد أبرز غايات تل أبيب في تظهيره «إرهاباً» إسلاموياً متنقلاً يتكفّل وحده بوضع حركات المقاومة جميعها في خانة واحدة مع داعش.
وهذا ربّما معروف او متوقع ومن دون التوقف عند ما يعنيه هذا الكلام بأن تنفيذ ما يحقق مصلحة «اسرائيل» هو أحد غايات داعش التي تخدم «اسرائيل» في مسألة تشويه اساليب مقاومة الاحتلال فلسطينياً، فإن الأهم هو لماذا اوروبا ولماذا يتم تنفيذ هذه الخطط في بلاد كإسبانيا، في حادثة برشلونة في اليومين الماضيين، وقبلها المانيا هايدلبيرغ وفرنسا مدينة نيس وبريطانيا قرب مسجد فينسبري ؟
تدخل داعش على الخط لتنقذ «اسرائيل» من مآزقها التي تتشعّب، أكان بفشل مخططاتها خارجياً تجاه حزب الله وإسقاط سورية وحلفاء إيران، أو داخلياً أمام عودة الاشتباكات في كل لحظة يتسنى فيها للفلسطينيين إشعال الشوارع الرافضة لظلم الاحتلال وآخرها القدس والمسجد الأقصى التي لا تشي بأنها ستكون الأخيرة، خصوصاً أن الانتفاضات تتوالى بدون أفق لنهاية تطمئن «الاسرائيليين».
هذا الامر تعرف «اسرائيل» تماماً تأثيره على الأجهزة الأمنية والاستخبارية الاوروبية تضعه بيد كل مسؤول أمني سيكون امام تحليل لأساليب يستخدمها داعش في هجماته. وبالمناسبة ليس الدهس وحده ما يستهدف حركات المقاومة، بل أيضاً الطعن والتفجيرات الانتحارية التي توضع بخانة «الاستشهاديين» عند جميع فصائل المقاومة، لأنها مبررة ضد «اسرائيل» كمحتل في وقت تجهد مؤسسات ومشايخ متطرفين لتثقيف مجندي داعش وتوابعها على تعزيز ثقافة التفجيرات الانتحارية من أجل التصويب أيضاً على ما يعتبر مقدساً عند حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، فأتت المنظمات الإرهابية لإساءة استخدام هذه الأساليب من أجل تشويه كل ما يخرج عن من يقاوم «اسرائيل».
أوروبا حصراً، لأن اكثر ما تخشاه «اسرائيل» هو التعاطف الأوروبي الذي أحدثته القضية الفلسطينية وبداية الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة مع مخاوف أكبر من أن تحوز على اصوات اكثر لأهمية الرأي العام الاوروبي دولياً، كبريطانيا التي سبق وصوت مجلس العموم فيها على ذلك يضاف اليه تصويت البرلمان اليوناني بغالبية ساحقة والبرلمان الايرلندي لمصلحة الاعتراف بفلسطين، اضافة لكل من اعتراف بولندا والسويد رسمياً في وقت سابق.
تحضر «اسرائيل» وهواجسها بكل خطوات داعش بشكل مباشر وكجزء رئيسي من معركة الإرهاب التي تعيشها اوروبا. تدرك «اسرائيل» ان هذه الهجمات قد لا ترتد ايجاباً على ملفات المنطقة ولن تقدم زخماً لعملية اعلن موتها سريرياً تقتضي إزاحة الرئيس السوري عن كرسي الحكم في دمشق، لكنها تعرف ايضاً ان اللعب على المفاهيم اساسي وكبير جداً، لناحية ترسيخ صورة دموية لدى الرأي العام الاوروبي من صورة الدهس الذي تعرض لها جنود «اسرائيليون» سابقاً. وهو ما يؤسس لتعاطف مسبق مع «اسرائيل» ايضا في اي محاولة فلسطينية بتنفيذ عملية مقبلة.
عملياً، استطاع داعش هذا التنظيم الذي يلفظ انفاسه في العراق وسورية خضّ الاستقرار الاوروبي خلال اقل من 24 ساعة في اسبانيا والمانيا وفنلندا باعتداءات إرهابية متتالية. وهي رسالة واضحة للحكومات الأوروبية على أنها قادرة على هز المنظومة الامنية الاوروبية ساعة تريد. وهو ما يعني ان من يتكفل بتحريك داعش اوروبياً لا يزال يتمتع بالقدرة على تحقيق اصابات مباشرة وإرسال رسائله بنجاح. وهو الامر لذي يضع الاوروبيين امام خيارات أحلاها مر.
اولاً: رفع الجهود في كل من العراق وسورية وليبيا في مجال مكافحة الإرهاب جدياً والضغط على الأميركيين من أجل التسريع بذلك أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً مع تراجع امكانية تحقيق تقدم في رفع شروط القوى الغربية التي رأت في مشاريع إسقاط سورية والعراق ضرورة في وقت سابق أصبحت اليوم أهدافاً صعبة المنال.
ثانياً: تعزيز فرضية التوجه نحو سورية والتنسيق مباشرة معها عبر أجهزة أمنية أوروبية تحيط بأمن البحر المتوسط على اختلاف الدول التي تعاني من هجمات تكفيرية من خلال المهاجرين والنازحين. وهو الأمر الذي يعني بدوره ضرورة التعاون مع سورية بأقرب فرصة من أجل تسوية أوضاع النزوح الذي بات يشكل خطراً أولاً على هذه الدول، لأن الإرهاب يتخفّى وراء النازحين منذ سنوات. وبهذا الاطار شدّدت فرنسا اليوم إجراءاتها الحدودية الأمنية دخولاً وخروجاً بعد حادثة برشلونة المؤلمة.