الصباح اليمني_مساحة حرة|
كثر الحديث عن اقامة المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية، وهو حديث يحمل الخبث الكثير في اختيار الاسم “آمنة” ، فلا أحد في العالم لا يريد أن تكون كل سورية آمنة لا هذه المنطقة فحسب.
لكن الاتراك يريدونها منطقة من نوع آخر، منطقة آمنة لنشاط الارهابيين وتدريباتهم.. آمنة من ضربات الجيش السوري لتلك المعسكرات القذرة..
لقد جاءت قضية مقتل الارهابي أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش لتثير العديد من التساؤلات، منها ما يتعلق بشخصية البغدادي ذاته، ومنها ما يتعلق بأهمية الزمان والمكان… فكثيراً ما كان الغرب يشخصون الارهاب بأنه نتيجة للإحباط والفقر وأنه ردة فعل على فشل السياسات الحكومية في حل هذه القضايا…إلخ. لكننا هذه المرة نجد أنفسنا أمام سؤال كبير من نوع مختلف، وهو ما الذي يدفع شخص يحمل شهادة عليا في الشريعة ” دكتوراه” ليصبح مجرماً وقاتلاً …؟ الجواب بشكل مباشر وبسيط، إنه الفكر الذي تلقاه هذا الانسان، نعم للأسف تشويه الفكر الديني هو السلاح الأخطر لهذا العصر، فقد أصبح هذا الفكر قائماً على “ما يفرق” بين الناس بدلاً من التركيز على “ما يجمعهم”… إنه فكر يضمن وجوده بتكفير الآخر، فكر يجعل حملة شهادات عليا وخريجي جامعات يذهبون للاستماع لنفس الخطاب المكرر عبر التاريخ من خطيب نصف جاهل في أحسن الأحوال… خطاب لم يتطور ليتماشى مع العلم والعقل، خطاب يريد إعادتنا إلى الماضي لا نقلنا الى المستقبل… فكان النتاج المنطقي لهذا الخطاب تكفير وقتل واجرام وسبايا وغلمان….
أما فيما يخص مكان العملية، فقد دأب الاعلام الغربي على القول أن زعيم تنظيم داعش يعيش في شرق سورية، وتحديداً في محافظتي دير الزور والرقة، في اشارة مبطنة واتهام للحكومة السورية التي تسيطر على هاتين المنطقتين بالتعاون مع الحلفاء من ايران والعراق. ثم جاءت العملية الأمريكية لتفضح من جديد، وأمام العالم كله، الدعم والحماية التي يتلقاها التنظيم وغيره من التنظيمات الارهابية من الحكومة التركية. فقد قتل البغدادي في منطقة خفض التصعيد وهي منطقة يسيطر عليها بشكل كامل من قبل الجيش التركي، وهذا ما كان يشعره بالأمان وحرية الحركة في هذه المنطقة، وهو ما دفع ترامب للقول: ” لم يستطع ابلاغ تركيا عن الهدف الدقيق للعملية التي كانت الولايات المتحدة تعتزم القيام بها”، وهو ما يفهم منه الخشية من تسريب المعلومة للتنظيم من قبل تركيا للحفاظ على البغدادي.
أما الزمان، فربما لم يكن غريباً، فقد اعتاد العالم أن تقوم الولايات المتحدة بالتخلص من زعماء التنظيمات الارهابية عند اقتراب نهاية الولاية الأولى للرئيس والاقتراب من الانتخابات لولاية ثانية. فما قام به ترامب في للتخلص من البغدادي هو ما قام به الرئيس بوش الابن مع أبو مصعب الزرقاوي في العام 2006 وباراك أوباما مع بن لادن في العام 2011.
أما اختيار خليفة البغدادي، فقد يشكل تطوراً كبيراً في مسيرة التنظيم، فلأول مرة يتم اختيار شخص غير عربي وهو ما سيشجع الارهابيين من الغرب للانضمام في صفوفه، وربما نقل التنظيم لاحقاً إلى احدى الدول الأوربية. وقد بدأ الغرب يستشعر هذا الخطر، وما الموقف الغربي عموماً والألماني على وجه التحديد من العملية العسكرية التركية في الشمال السوري إلا انعكاس لهذا التخوف، التخوف من الخطر الذي أصبح يشكله أردوغان على العالم ككل عبر دعمه للتنظيمات الارهابية وتسهيل نشاطها وعبورها. والتهديدات التي أطلقها بوجه الغرب عن فتح الحدود لتدفق اللاجئين كان مفهوماً منها نوعية اللاجئين التي يقصد، فهذه المرة هو يقصد اطلاق الآلاف من عناصر تنظيم داعش المعتقلين في سجون قسد ونقلهم إلى الغرب. والمتابع للموقف الألماني يدرك ذلك، حيث يوجد أكثر من مليون كردي تركي يعيشون في ألمانيا ولا تريد ألمانيا استفزازهم من قبل أردوغان، كما أن هناك قلقاً ألمانياً حقيقياً من تصدير “الاسلام التركي” (المتشدد) إلى المسلمين فيها، حيث تلعب تركيا دوراً كبيراً في دعم وتعيين خطباء المساجد في ألمانيا، وبالتالي توجه الخطاب الديني الذي تريد. كما أن هناك معارضة أوربية من حيث المبدأ، لأي حزب اسلامي يصل إلى الحكم وهذا بالتأكيد ينطبق على حزب العدالة والتنمية الذي أصبح يشكل خطراً كبيراً على العالم كله. وكل التقارير تشير إلى أن اهم نشاط استخباراتي خارجي لتركيا هو في ألمانيا لمطاردة الاكراد من جهة، وتزعم المسلمين فيها من جهة أخرى.
من خلال ذلك كله يمكننا القول: إن الحرب على الارهاب لم تبدء بعد، فالإرهاب هو فكر في الدرجة الأولى لا أشخاص وتنظيمات لنقاتلهم، فهؤلاء ليسوا سوى أدوات لتطبيق هذا الفكر المنحرف، ومن يقترب من رأي الشارع يدرك التخوف والقلق الذي يستشعره المواطن عبر محاباة السلطة للتيارات الدينية والدعم المادي الكبير لهذه التيارات، وستجد السلطة نفسها بالتأكيد في مواجهة هذه التيارات في يوم من الأيام، فهم لا يؤمنون بسلطة دنيوية ولا حاكم إلا بأمر الله … وشهر العسل لن يطول، فالخلاف كبير يتعلق بالمبدأ والرؤية والنهج ورفض الآخر…
خليك معنا