الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
من هو ابن رسته ؟
قدَّم الجغرافي والفلكي والرَّحالة أحمد بن عمر ، أبو علي ابن رسته الأصفهاني وصفاً تفصيلياً لمشاهداته في مدينة صنعاء التي قصدها في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي.
ابن رسته -المتوفي عام 300 هجري (912 م)- هو صاحب كتاب “الأعلاق النفيسة” المؤلَّف من سبعة أجزاء والذي تضمَّن ملاحظاته الفلكية والجغرافية والاجتماعية والتاريخية المباشرة للأقاليم والحواضر التي قصدها، كما احتوى كتابه على معلومات استقاها من علماء مماثلين ممن سبقوه.
وفيما يلي بعض الاقتباسات التي أوردها في كتابه المذكور والمتعلِّقة بمدينة صنعاء اليمنية، وذلك بنهايات القرن التاسع الميلادي:
وصفه للمدينة:-
صنعاء: هي مدينة اليمن، ليسَ باليمن ولا بتهامة ولا بالحجاز أعظم منها ولا أكثر أهلاً وخيراً ولا أشرفَ أصلاً ولا أطيب طعاماً منها، وهي مدينة برِّيَّة مُعتدلة الهواء، يعدلُ طيب هوائها في جميع السَّنة هواءً ربيعياً إذا اعتدلت وطابت، ويُفرَشُ الفراش الواحد في مكان فلا يُحوَّل من ذلك المكان لحرٍ ولا بردٍ سنين كثيرة.
وتدرك عندهم الحنطة دفعتين والشَّعير والأرُزُّ ثلاث دُفعات وأربعاً، ومن ثمارهم وعنبهم ما يدرك في السَّنة دفعتين أيضاً..
وهي مدينة كثيرة الأهل طيِّبة المنازل بعضها فوق بعض، إلَّا أنَّها مزوَّقة أكثرها بالجص والآجُر والحِجارة المهندمة، منها ما أساسها من الجصّ والآجر وسائرها حجارة مهندمة حِسان، وبعض أرضي بنائها الجصُّ والآجُر وبعضها بالجصّ، وأكثر سطوحها مفروشة بالحصا لكثرة أمطارها..
الأمطار:-
ولأمطارها أوقات معلومة عندهم علامات .. وأكثر ابتداء مطرهم في الوقت الذي يُمطرون فيه بُعيد العصر وربَّما تكون السَّماء نقيَّة، ولا يُرَى للمطر علامة، والنََاس تحثُّ بعضهم بعضاً على الفراغ من أعمالهم حذراً من المطر، فينشأ السَّحاب مع فراغهم، فيمطرون أكثره من وقت العصر إلى وقت المغرب، فيجرفُ السَّيلُ جميع ما يكون فيها من القذئ، ويغسل تلك الكورة بأسرها، ويجري ذلك الماء إلى مزارعهم في مجارٍ قد اتخذوها لهذا الأمر لا يتعطَّل معهُ شيءٌ من هذه المياه، ولم يكُن لهم سورٌ في القديم ، وأُحْدِثَ ذلك بعد فتنة ابن يعفر ملكهم.
ولمدينتهم شارعٌ يشُقُّها بنصفين، وينفذُ إلى وادٍ تجري فيه السيول أيَّام المطر في عرض دجلة أو أقل منها، ويسمَّى السَّرَارة، وعلى ضفتيه قصورٌ مبنية من الجص والآجُر، وعامَّة هذه القصور للدَّبَّاغين وإليه ينفذ أيضاً فوَّهة أزِّقتها وسوقها في ناحية مما يلي قبلتها وبعض هذا الشَّارع، ولكُلِّ واحِدٍ من أزِقَّتِها بابان يفضي أحدهما إلى هذا الشَّارع والآخر إلى سور البلد، ومسجد جامعها بقرب سورها مبنيٌ من حجارة وجصّ وهو مسجدٌ كبير..
المسجد الجامع:-
وقُبالة المسجد الجامع بالقُرب منه على قدر عشرة أذرع قلعة أساسها من الصَّخر وهي تُعرَف بغمدان موضع التبابعة.. وفي هذا القلعة بئر يُسقى منها الماء إلى هذه الغاية، ويقولون : إنَّها بئرُ سام بن نوح، وفيها بئرٌ أُخرَى..
ولمسجدها اثنان وعشرون مؤذِّنَاً يؤذِّنونَ جميعهم في كل صلاة، أحدهم على إثر الآخر، إلا في صلاة المغرب، ثُمَّ يأخذون جميعاً في الإقامة بصوت ٍواحدِ، وهُم يمشون من المنارة إلى الصَّف فإذا انتهوا إلى الصَّف يكونون قد فرَغُوا من الإقامة، وفي كُل منزلٍ من منازلهم بئرٌ يُستقى منها للشرب، ويُفضَّل ماء الآبار على مياه العيون الجارية عندهم..
الطعام والفواكه:-
وطعامهم البُّر النقيُّ والعَلَس وهو شبيهٌ بالحِنْطَةِ إلَّا أنَّهُ أدقُّ من الحِنْطَةِ في سنابل لا تُشبهُ سنابل الحِنْطَةِ عليها قشرتان أحداهما قشرة المسنبلة والأخرى قشرة مقاربة لقشر الأرز، فيُقشر من قشرته ويُطحَن ويُخبَزُ فيوجد طعمه أطيب من طعم خُبز الحنطة..
وعندهم فواكه سريَّة مثل أنواع التُّفَّاح والبرقوق وهو المشمش، والفرسك أنواع وهو الخوخ، ومن أنواع الأجاص ما ليسَ بخراسان، والكُمَّثرى أنواعٌ كثيرة..
وعندهم على ما زعموا قريب من سبعين لوناً عنب، وعندهم النخيل في قراها دون قصبتها، والموز عندهم كثير في كُلِّ موضع يُدرك الموز عندهم، في كُلِّ أربعين يوماً يُقطعُ ثمرتهُ، ولا ينقطع القطافُ عندهم أبداً..
وعندهم باقلي رطب، وقصب سُكَّر وجوز ولوز وفستق ورُمَّان وتين وسفرجل وبطيخٌ حسَن غير طيِّب يؤكل مع السُّكَّر، والقِثَّاء ، وأنواعُ الخُضرة والأترج عندهم كثيرٌ كُبَّار، حُلو الطَّعْم، وألوان الرياحين والورد والياسمين والنرجس والسَّوسَن ألوان، وربما وجِد كُلَّها في وقتٍ واحِدٍ..
خيرات وفيرة:-
وعندهم العسل الكثير، ويُفضِّلون لحم البقر على لحم الضَّأن السَّمين يُشترى جميعُ ذلك بسعرٍ واحدٍ.. وللحوم ضأنهم وبقرهم خاصِّيَّة، وذلك لأنَّها لا تنضُجُ إلَّا على الجمرِ والوقود يُسخِّنَها ولا يُنضجها.
ومن عندهم يُجْلَبُ الأدم والنعال المُشعَّرة والأنطاع والبرود المرتفعة والمصمت والأردية، يبلغ الثوب من البرد عندهم خمس مائة دينار، وألوان الفصوص والأواني بَقَرانيَّة وسَعْوانيَّة والجزع وأنواع الخَرَز يبلغ الفصُّ من البقراني مائة دينار وأكثر.
ولهم سوقٌ لا يُباع فيها إلَّا المزامير قد شدُّوها حزماً ونضدوها في حوانيتهم، ولهم خاناتٌ كثيرٌ ومحالٌ فيها خلقٌ كثيرٌ يعملون أواني الجزع وأنواع الخَرَز..
ووجوههم قومٌ من نسل سيف بن ذي يزن في غاية السَّراوة والنُبْل، يتقدَّمون في ذلك وجوه سائر الكُوَر ، وهُم قومٌ يرجعونَ إلى سخاء وكرم..
وضياعهم أجل ضياع وأكثرها فاكهة وأحسنها عِمارة وهي على ثلاثة أصناف، صنفٌ منها أعذاء، وصنفٌ منها على العيون، وصنف على الآبار يُستقى منها بالإبل والبقر، وصنفٌ وهي أسراها وأكثرها قيمةً على ماء السَّد، والسَّدُ سُكِّرَ قد اُتُّخِذَ على فوهة جبال قد أحاطت بمواضع تقرُبُ من ضياعهم قد نصبوا على أسافل ذلك السَّد أفواهاً يُجرونَ منها المياه في أنهار قد احتفروها إلى ضياعهم.. ومعاملة أهل البلد بالدنانير المطوَّقة والدراهم السديسيَّة.
والنَّاسُ ينتشرون في حوائجهم بالنهار ويجتمعون في مجال الفقهاء وغيرهم بعد العتمة إلى وقتٍ يُضرَبُ فيه الكوس المنصوب على غمدان، فيسمعُ ذلك أهلَ البلد، فمن وُجِدَ قبل صوت الكوس لم يُتعرَّض لهُ، ومن وُجِدَ بعدَ ذلك حُبِسَ وعُوقِب.
صنعاء مقصداً للرحالة:-
كانت صنعاء مقصداً أساسياً لأغلب الجغرافيين والرحالة المسلمون ممَّن وثَّقوا مشاهداتهم في المدينة اليمنية، وكان من بين ذلك الاصطخري و ابن الحائك الهمداني وابن حوقل ، و ياقوت الحموي والإدريسي ، وابن بطوطة ، وسواهم.
خليك معناالمصدر: تاريخ كوم