تدل تصريحات غربية وعربية إن انقلابا جرى في مواقف الأطراف الفاعلة دوليا وإقليميا تجاه الوضع المستقبلي للرئيس بشار الأسد على رأس الدولة السورية، باتجاه بقائه، بعد ان كان رحيل النظام السوري مطلبا وشرطا ،من تلك الإطراف للبدء بمناقشة الحلول المطروحة للازمة السورية.
وربما كان أوضح موقف تصريح الرئيس الفرنسي الجديد (ماكرون) بعد فوزه ،حيث قال ان لا بديل للرئيس بشار الأسد حاليا،فيما أعلن الأمريكيون مؤخرا قبولهم بفكرة بقاء الرئيس الأسد، بالتزامن مع غياب تصريحات خليجية ، وخاصة من السعودية وقطر والإمارات حول شرط رحيل الأسد لبحث مستقبل سوريا.
هذا بالإضافة لإعلان تركيا قبولها بالأسد ،بمجرد قبول الجلوس مع الحكومة السورية في متوالية إستانا، وان كانت الإشارات التركية قد وردت قبل ذلك ، فيما الموقفان الروسي والإيراني يؤكدان على إن وضع الرئيس بشار الأسد خط احمر بالنسبة للإيرانيين وان مستقبل الرئيس يقرره فقط الشعب السوري لاحقا بالنسبة لروسيا.
ومن المرجح أن تتوّسع مقاربة القبول بالرئيس الأسد،في إطار الحراك الدبلوماسي الخاص بالقضية السورية،من قبل أطراف دولية وإقليمية ووطنية سورية فاعلة بهذه القضية، ويبدو إن المعارضة السورية بأطيافها ومنصاتها المختلفة هي التي ما زالت بعض تياراتها فقط تطرح رحيل النظام ، فكيف يمكن تفسير هذا التغير وارتباطه بالمعادلات الدولية والاقليمة الجديدة:
أولا: أن التحول في الموقف الدولي والإقليمي تجاه الرئيس الأسد، غير معزول عن سياقات إعادة ترتيب المنطقة، وإعادة إنتاج النظام العربي الرسمي،بتوافقات أمريكية روسية عربية ،تحت عناوين: القضاء على الإرهاب وإقصاء الإسلام السياسي، وإنهاء أيدلوجية الممانعة وإنتاج نظم معتدلة، تلتزم بالحد الأدنى من المدنية، والانفتاح الاقتصادي، فقد تزامن الحديث عن القبول ببقاء الرئيس الأسد مع تغيرات، ستحمل القيادي محمد دحلان لقيادة حكومة فلسطينية،والإفراج عن سيف ألقذافي وما يتردد عن إعادة تأهيله لقيادة ليبيا بعد انتصارات خليفة حفتر على الإرهاب شرق ليبيا ، والتغير في موقف الرئيس اليمني السابق علي عبدا لله صالح من حلفائه الحوثيين،باتجاه إنهاء هذا التحالف والاستعداد لمحاربتهم ، تمهيدا لإعادة ابنه احمد لتولي قيادة اليمن،باعتباره الحل الأمثل لليمن، بالإضافة لفرملة قطر ومحاصرتها للحيلولة دون إفشال تلك التفاهمات ، وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية، استجابة للتغيير في النظام العربي الرسمي الجديد ،والتحولات القادمة في العراق، وبوادر إعادته للنظام العربي بعد الانتهاء من تحرير الموصل وهزيمة داعش واختطافه من قبل إيران.
ثانيا: يمكن القول بارتياح ، وبمعزل عن الاتفاق أو الاختلاف عن مسؤولية النظام السوري في التواطؤ مع الإرهاب الإسلامي،إن عسكّرة الثورة السورية أنتجت ثنائية النظام السوري أو الإرهاب الإسلامي ،ممثلا بداعش والقاعدة ،وان لا بديل لهذين الخيارين، وقد أسهمت الدبلوماسية الروسية والإيرانية والسورية خلال السنوات الست الماضية بترسيخ هذه القناعة، والتي توافقت مع ما يمكن وصفه بالخطأ الاستراتيجي التاريخي للغرب عموما في التعامل مع الدولة العراقية ، عند الإطاحة بنظام صدام حسين،في إطار النسخة السيئة للفوضى الخلاّقة, حيث تم تفكيك الدولة العراقية، وتسليمها عمليا لإيران ، وأنتج الإرهاب بأبشع صوره، وهو ما يطرح الشكوك بموقف الغرب تجاه الثورة السورية والنظام، مقارنة بالموقف من رأس النظام الليبي, حيث تردد في أوساط عديدة انه بعد تطورات صمود النظام وجيشه على مدى سنوات الثورة السورية، أصبح المطلوب بناء تفاهمات مع النظام السوري، بعد أن تم إعادة إنتاجه .
ثالثا: ضعف هياكل وبُنى قيادات الثورة السورية، من حيث تمثيلها الحقيقي للشعب السوري بمكوناته المختلفة, وتعدد مرجعياتها ومنصاتها, ودخولها في لعبة الصراعات الإقليمية,مما انعكس على مواقفها وقراراتها، والتي ما زالت تعكس حتى اليوم توجهات داعميها تجاه مؤتمرات جنيف واستانا،وأية جهود دبلوماسية للحوار حول إيجاد حل للقضية السورية ،وقياسا بالتطورات على الأرض السورية والجهات الفاعلة ، فقد ظهرت فجوة عميقة بين رموز الخارج , والقواعد الشعبية بالداخل .بالإضافة للانشقاقات والانسحابات في صفوف تلك المعارضة وتحول غالبيتها، خاصة المقاتلة بالداخل السوري إلى فصائل إسلامية، يرتبط بعضها بعلاقات تحالفيه مع داعش والقاعدة ،وتقترب مخرجات رؤاها الإستراتيجية لمستقبل سوريا مع مخرجات داعش والقاعدة في إقامة دولة ذات مرجعية إسلامية،الأمر الذي جعل كثيرا من الإطراف الداعمة للثورة السورية وخاصة أمريكا ودول أوروبية تتحفظ على دعم تلك الفصائل بالسلاح،وصولا لاتخاذ أمريكا قرارا بوقف كافة مشاريع الدعم السري للمعارضة السورية.
رابعا: إن التطورات في المشهد السوري،تشير إلى إن التفاهم والتنسيق الأمريكي الروسي في تصاعد , وخاصة في جنوب وشرق سوريا,بعد انجاز اتفاق ثلاثي مع الأردن، لوقف إطلاق النار في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء ،وإنشاء الأمريكان قواعد عسكرية ،في التنف والرقة،وتدل مناطق انتشار الجيش السوري في وسط وشرق سوريا، وبدء استعادة مناطق حقول النفط والغاز، على انه يتحرك في إطار تفاهمات روسية أمريكية،تقلل مرحليا من التواجد والتأثير الإيراني في سوريا، وربما عكس ظهور قادة من الجيش السوري على وسائل الإعلام،بديلا للظهور المكثف لقاسم سليماني(قائد الحرس الثوري الإيراني) ما يؤيد ذلك، رغم ما يتردد عن استئجار إيران لقواعد عسكرية في سوريا،ومن المؤكد إن روسيا ستتولى مهمة إقناع الرئيس الأسد بإنهاء الدور الإيراني في سوريا ، مقابل القبول به من قبل الغرب, ووقف المطالبة بإسقاطه.
ورغم ذلك، لا يرجح أن يكون الانتقال في سوريا ،وفقا لهذه المقاربة بدون عقبات داخلية وخارجية،إذ سنكون أمام عملية معقدة ومتشابكة,وتحديدا في معالجة الإرهاب والتعامل مع الدور الإيراني في سوريا ،ومدى جدية النظام السوري في التغيير ، إذ أن التغيير يحتاج لقرارات شجاعة ومؤلمة ,تتجاوز ما كان قائما قبل عام 2011،من قبل النظام والمعارضة، خاصة وان عنوانه الأبرز سيكون وفق مقتضيات الفدرالية واللامركزية ، إضافة لتبعات إعادة الأعمار والأزمة الاقتصادية وقضايا اللاجئين. ومع ذلك فمن المؤكد أن انفتاحا دوليا وإقليما باتجاه الحكومة السورية سيبدأ باتصالات وإعادة فتح سفارات ، وربما تكون المواقف التركية والخليجية ملفتة بسرعة الانفتاح على الحكومة السورية،فهل سيحتاج إخراج وديعة رابين للسلام بين سوريا وإسرائيل من الأدراج وقتا طويلا ، أم إن تيار الممانعة العربية والإسلامية ما زال قادرا على إفشالها؟!