أزمة قطر مع جيرانها ومع جمهورية مصر العربية ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية كشفت عن طبيعة هشة ومتناقضة للتحالفات التي نسجتها واشنطن في عهدها الديمقراطي السابق بقيادة بارك أوباما، ففي الحقيقة أن إدارة أوباما هي التي شرعت لقطر ممارسة دورها المدمر وهي ايضا التي جرت السعودية إلى نفس المربع ومن ثم بدأت تهاجم السعودية بعد أن استكمل الكل مهمته في صنع الأزمات التي عصفت بالمنطقة العربية بما سُمي “ربيع العرب” حيث تم تدمير مقدرات الأمة في العراق والشام وليبيا واليمن وغيرها، وهو الأمر الذي مهد الطريق للقوى الإقليمية باللعب في الفضاء العربي دون وجود قوة عربية واحدة قادرة على التصدي أو إيقاف تلك الدول (تركيا، إيران ، إسرائيل) من التمادي في اختراق الأمن القومي العربي والعبث به وتشكيل تحالفات جديدة تجعل العرب أعداء للعرب.
وفي هذا الشأن ينسب تصريح لمسؤول سعودي كبير في أخر أيام إدارة أوباما يقول فيه ” نحن نفذنا ما اتفقنا عليه معكم، لماذا عندما غيرتم استراتيجيتكم لم تعلمونا حتى نُغير؟”
وهذا التصريح إن صح فهو يبرهن على مدى التظليل الذي مارسته الإدارة الأمريكية السابقة، ولكنه إن صح أيضا فهو ينطبق اليوم على حال قطر التي صرح سفيرها في واشنطن أن كل ما قامت به السياسة الخارجية القطرية كان بالتفاهم مع واشنطن. وفيما يخص العلاقة والمساعدات لغزة و(حماس) كان باتفاق مع إسرائيل.
هذا هو حال السياسة الخارجية الأمريكية في عهد كل إداراتها فدائما ما تستخدم العرب كأداة في مخططاتها التي لطالما كانت لخدمة إسرائيل، وهي المشروع الاستراتيجي الوحيد الذي لم تتخلى عنه هذه الإدارات مجتمعة، لأنه مازال الأنجح بفضل التخاذل العربي، والانصياع العربي لأمريكا، مع أن هذا المشروع كان ومازال وسيبقى بالمرصاد لأي طموح وحدوي عربي وبالتالي لأي مشروع ينظر للأمن القومي العربي كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة.
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته تيلرسون يوم أمس وأول أمس أن قطر دولة داعمة للإرهاب ودعمت الارهاب لمدة طويلة قد يمهد الطريق لرفع الغطاء العربي والدولي عنها، وهو ما سيقود بالضرورة لاتخاذ قرارات مرتقبة من الجامعة العربية وكذلك المنظمات الدولية ضدها، إن حصل ذلك فحالها سيكون صعباً، لكن أعتقد أن ما يحصل بالمجمل هو ابتزاز امريكي جديد لقطر. ابتزاز مالي وسياسي إن لم تدفعه قطر فسيفرض عليها عقوبات مشددة وحصار خانق سيكون هذه المرة بحري وجوي ايضا بالإضافة للحصار البري المفروض حالياً.
إيران باعتقادي لن تنجد قطر ولا باكستان ولا تركيا بقادرة على تقديم حماية فعلية …
الارتماء بأحضان إيران بالكامل سيقضي على الاستراتيجية الدفاعية الخليجية بل وسيفك عرى الاتحاد الخليجي، إذن هي مجازفة قطرية إن حصلت، ولكن سيكون الامريكان بالمرصاد فهم يريدون المال ولا يريدون خسران حليفتهم إلا إذا كان المقصود نقل الفوضى الخلاقة (المدمرة) لدول الخليج العربي وضرب الاستقرار الاقتصادي العالمي.
فمن غير الممكن السماح للحرس الثوري الإيراني بالتواجد في قطر والامريكان يملكون أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط على أراضيها! وهم المسؤولون عن حمايتها من جيرانها بحسب أقوال الأمير تميم نفسه؟
من الغرائب أن الولايات المتحدة تتهم قطر بالإرهاب وفي نفس الوقت تدعو لفك الحصار عنها، ومن العجيب أن الولايات المتحدة ومستشاريها وأعضاء مجلس شيوخها ونوابها هم من يوجهون بعض السياسات الخليجية في دول الربيع العربي ومن ثم يتهمون دول الخليج بدعم وتمويل وتسليح الإرهاب؟!!
هل ستنعكس الأزمة الخليجية انفراجا في سوريا، قد تقود المواجهة الباردة حتى الآن بين قطر والسعودية الممولان الأكبر للجماعات المقاتلة في سوريا إيجابا على الوضع في سوريا حيث يقول الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك أنه “إذا بقي الأسد رئيسا، ستصبح سوريا، تحت السيطرة الاقتصادية القطرية، وستتوسع بصورة كبيرة فيها، حيث يوجد شركات نفطية تريد استخدام خط الأنابيب من الخليج إلى أوروبا عبر تركيا أو من خلال مرفأ اللاذقية”.
لا أدري على ماذا بنى فيسك توقعاته؟ ولكن من الواضح أن الخلاف السعودي القطري انعكس إيجابا على الوضع في سوريا فالأول مرة تصل قوات الجيش العربي السوري إلى الحدود السورية العراقية وقد تلتقي لأول مرة مع القوات العراقية هناك ويتم بالتالي دحر قوات “داعش” وما سمح في ذلك على ما يبدو اشتداد المعارك في انحاء كثيرة من سوريا بين الفصائل الممولة قطريا وتلك الممولة سعوديا وهو ما يعكس حربا ساخنة بين الفريقين القطري والسعودي من خلال أدواتهما على أرض الشام.
ربما إذا بقي الأسد في السلطة وهو باق على ما أعتقد وإذا بقي تميم بن حمد أميرا لقطر دون ان يتنازل ويقبل بالشروط السعودية (وذلك محل شك في ان يصمد طويلا) بعد هذه الأزمة فإن السعودية ستكون أكبر الخاسرين وستفقد هيبتها في المنطقة، وربما لن يكتب للأمير الشاب محمد بن سلمان النجاح في مسعاه ليكون ملكا، خليفة لوالده.
تركيا تجد نفسها “في وضع صعب” و “توجهها الرئيسي سيكون محاولة تخفيف الضغط عن قطر، لكن فرص ان يستمع اليها أحد في هذه المرحلة نسبية جدا”. هذا القول لأحد المحللين السياسيين الفرنسيين.
لماذا؟
أظن، نظرا لانحيازها لحركة الاخوان المسلمين وتفرعاتها ودوائر الشك التي ترسم حول علاقتها بداعش والنصرة. ولرفض الحكم المصري والسعودي والإماراتي اي تدخل من قبلها في الشؤون العربية …
لا أعلم إن كان خبر نشر باكستان عشرين ألف جندي في قطر صحيحاً، أنا أشك في ذلك! فلو حصل ذلك فعلا لمثل أكبر فشل للسياسة الخارجية السعودية على الإطلاق، حيث ان السعودية هي أم القنبلة النووية الباكستانية والداعم الاول لباكستان في العديد من المجالات، ليس من اجل سواد عيون باكستان بل لان الجيش الباكستاني يعتبر جيشاً احتياطيا سعوديا. تعتمد عليه السعودية في معظم ازماتها، وقناعتي ان صدق الخبر فإن ذلك حدث بإيحاء امريكي لباكستان، فهدف امريكا ليس تغيير نظام الحكم في قطر بل إجبار قطر على دفع المال، وهو ما سيحصل في كل الأحوال …
وهذا الخبر نقلته مصادر تركية ولم ينقله اي مصدر باكستاني او عالمي اخر، وهو محاولة ردعية. للسعودية وحلفائها. وربما يكون له علاقة بالشائعات المبرمجة التي تخدم هذا الطرف أو ذاك في محاولة للتأثير على الرأي العام العربي والتركي، فهناك من يرى في الداخل التركي، ان خطوة اردوغان تجاه قطر ايديولوجية ولا تخدم تركيا على المدى البعيد.
أفضل تقييم لما يحدث بين قطر وجاراتها الخليجيات هو ما قاله وزير خارجية ألمانيا ” شبكهم ترامب وخرج منها “.
وهو يحاول الان القيام بدور المنقذ سيحلب قطر ودوّل الخليج حتى اخر قرش ويواكب الحلب المالي حلب سياسي بعضهم بات جاهزاً له فيما يتعلق بفلسطين القضية ويشمل ذلك الحقوق والمقاومة والتعاطف والمناصرة …
اما ان تجرم قطر بصفتها تتعاطف مع حركات الاسلام السياسي فهذه نكتة سمجة، لأن الكل يعلم ان دعم حركات الاسلام السياسي كان يتم برضا وطلب أمريكي من قبل قطر وغيرها من إمبراطوريات المال، بهدف تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة (المدمرة) بهدف تفتيت الوطن العربي وصناعة شرق اوسط كبير وجديد…
وحيث أن لا عجيب في السياسة الأمريكية التي أسقطت في الثمانينات حكم هيلاسي لاسي في أثيوبيا بهدف تحقيق نبوءة توراتية لها علاقة بالهرمجدون من خلال الاتيان بنظام منغستو هيلا مريام الشيوعي لا يجعل للعجب والغرائب مكان. (ذلك بحسب ما تورده غريس هالسل في كتابها: “النبوءة والسياسة”).
(التصلب ) القطري لا يعكس قدرات على التحمل في مواجهة التحدي المصري الخليجي ، بل يعكس حالة ترقب بعد الشعور بالصدمة ، القوات التركية القليلة العدد لن تحمي قطر من غزو عسكري من الدول الاربعة المدعومة أمريكياً واظن ان ايران لن تنجد قطر عسكريا حتى لو تواجدت في الدوحة عناصر من الحرس الثوري الايراني كما تزعم بعض التقارير وهو أمر كما قلنا محل شك كبير، عدم استجابة الامير تميم لطلب ترامب للقائه في البيت الابيض تعكس خشية قطرية من حدوث انقلاب في القصر، لن يغادر تميم الدوحة الى اي مكان في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها قطر، لا اعتقد ان امام قطر خيارات كثيرة كما يظن البعض…
في نهاية المطاف سترضخ قطر لأغلب الشروط السعودية، ولو الى حين، ستدفع قطر ثمن علاقاتها بحليفتها حماس وستدفع الاخيرة حماس ككبش فداء للعلاقة مع الخليج وأمريكا واسرائيل، وستطرد قياداتها من الدوحة وربما قيادات كبيرة من الاخوان سيغادرون الدوحة، ليس من بينهم على ما أظن الشيخ القرضاوي الذي يعتقد أنه بمثابة الاب الروحي للأمير تميم، ولكنها لن تغلق قناة الجزيرة بل ستغير خطها التحريري بنسبة خمسين بالمئة …
لن تستطيع قطر الصمود طويلا في وجه اعدائها الجدد فقطر ليست دولة ثورية بل دولة محافظة مصلحة العشيرة فيها تسبق كل المصالح …
لا اعتقد ان الهجوم السعودي على حماس كان اكراماً لعيون فتح والرئيس أبو مازن بل هو إرضاء لترامب، وتحضيرا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وإقامة حلف الناتو العربي الاسرائيلي وما سيليه من تنازلات ستمس بالحد الادنى المتبقي من الثوابت الفلسطينية، قد لا تعجبنا سياسات حماس وتحالفاتها الإيديولوجية والاقليمية والدولية ولكن عندما يتم الحديث عن حماس. فإن ذلك يعني أن المقصود طرف فلسطيني حيث أن حماس مكون فلسطيني قبل أن تكون تنظيم إخواني، حماس لم تمس السعودية (في إرهابها) بل كرست كل عملياتها العسكرية لمواجهة إسرائيل ولذلك جيد أنها لم تدرج حماس أو أي تنظيم فلسطيني على قائمة الإرهاب العربية.
باعتقادي أن قطر هي وتحالفاتها لن تقف طويلا في وجه العاصفة بل سترضخ لشروط شقيقاتها العربيات بنسبة كبيرة، فتحالفاتها ليست صلبة بل هي تحالفات ضعيفة وقطر التي تعلم علم اليقين أن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي وليس أحد غيره هو الذي أعطى الضوء الأخضر لهذه الحملة التي تستهدفها هو الوحيد القادر على إنقاذها وانهاء عزلتها وحصارها مقابل المال والضغط على حماس وجماعة الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى المدعومة منها لتغيير أهدافها حيث باتت بعض هذه الجماعات تمثل خطرا تجاوز حدود المنطقة العربية وبدأ يضرب في كل مكان من العالم.