الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
تقع مدينة شَبْوَه التاريخية في شرق رملة السبعتين، وكانت قديمًا عاصمة دولة حضرموت، تغلبت عليها دولة سبأ عام 65 ميلادي فأصبحت من المدن التجارية الهامة، وقد عَرَفَ المؤلفون الإغريق شَبْوَه منذ نهاية القرن الثالث قبل الميلاد باسم “ساباتا” أو “ساتونا” والتي تطل على جبل عالٍ لا يزيد ارتفاعه عن خمسين متر يتكون من الملح، وبها ستون معبدًا. (أنظر الصورة رقم 1).
وتوالت على أرضها ثلاث دول يمنية قديمة وهي دولة قتبان وعاصمتها (تمنع) في وادي بَيْحَان، ودولة أوسان (مَسْورَه)، ودولة حضرموت وعاصمتها (شَبْوَه) في وادي عَرْمَه، حيث سكنها بعض الحضارم واتخذوها عاصمة لمملكة حضرموت قبل وصول المهاجرين السبئيين إليها من أجل حماية وادي حضرموت، ووقوعها لطريق القوافل، وسهولة اتصالهم بمأرب عبر الصحراء.
لكّن موقع شَبْوَه في وادي عَرْمَه وهو الوادي ذو المجرى المائي المؤقت لا يحقق الازدهار بالمقارنة مع وادي بَيْحَان لمملكة قتبان هذا من جهة أولى، من جهة ثانية المرتفعات المحيطة غير صالحة للزراعة أو لتربية المواشي، فهي أراضي صيد أو تربية النحل، كما تكثر فيها الأشجار مثل شجر العلب الذي استخدم في البناء والعمارة في شَبْوَه ولعل قصر “شًقِيْر” خير دليل على ذلك، وذكر المؤلفون الإغريق عنها في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد نجد أن بعض المصادر تَذْكر أنه لم يسبق لهم أن عبروا البحر الأحمر وصحاري الجزيرة العربية.
إِلاَّ أنَّ شَبْوَه تميزت – لتتوالى عليها ثلاث ممالك يمنية قديمة – بمميزات كما يذكرها الحجري في كتابه “مجموع بلدان اليمن وقبائلها”: –
“شَبْوَه بفتح الشين وسكون الباء وفتح الواو ثم هاء، بلد قديم حميري فيما بين مأرب وحضرموت، ومنها أحد جبلي الملح الحجري والآخر بصافر بينهما وبين مأرب، وملح شَبْوَه ينقل إلى حضرموت وما إليها”
كما تميزت شَبْوَه بموقعها الذي يؤدي إلى الجوف ونجران وربطها بشبكة من الطرق المبلطة عبر وديان حجر إلى المحيط الهندي، وأيضًا الهضاب الوَعِره جعل منها موقع دفاعي وحصن منيع اتخذها الملوك عاصمة لدولتهم، وقاموا بتشييد قصر “شُقَر” أو “شَقِيْر”، ولعل هذه الأهمية لمدينة شَبْوَه ما استرعى اهتمام المستكشفين للتعرف على المنطقة وآثارها وأبرز معالمها قصرها الملكي، كأمثال سان جون فيلبي [Sn-john philby] في العام 1936م، وهاميلتون [Hamilton]، وجاكلين بيرين [Jacqueline Pirenne] التي دشنت البعثة الفرنسية عام 1975م.
القصر الملكي (شُقَر) أو (شَقِيْر).
خُلّد القصر من خلال الكتابات المسندية، حيث يعود إلى عهد قديم أحدثت فيه التغيرات والإضافات لكّنها لم تحدث تغيرًا جذريَا فيه. فقد مثَّل شرعية للسلالات الملكية، فقد حكم فيه الملك الحضرمي “إل عزيلط” إلى أن دارت المعركة مع “شعر أوتر السبئي” بالرغم لعلاقة المصاهرة بينهما، بسبب تحالف “إل عزيلط” مع الحميريين أعداء “شعر أوتر السبئي”، وفتحت النيران على القصر.
وترجع تسمية القصر بهذا الاسم تعبيرًا عن العُملة البرونزية كما حملت العُملات القتبانية كلمة “حرب” اسم القصر الملكي في تمنع.
معالم القصر.
تميز القصر بتقنية عالية في بنائه، حيث يتكون من عِدة أدوار وقاعدة متينة من “الحجارة” و”اللِبن”، و”المواد الخشبية” ذو الهيكل الخشبي فوق قاعدة حجرية يتخللها اللِبن، وقد استخدمت الأخشاب في بناء القصر بـ “ربع” مواد البناء، الأمر الذي ساعد على مقاومة القصر للهزات الأرضية العنيفة ومقاومة أيضًا في مواجهة الحروب، فعلى الرغم مما تعرض له القصر من حريق – كما ذكر آنفًا، إِلاَّ أنَّ القصر مازال آثاره باقية إلى اليوم.
ويتكون القصر من مبنيين رئيسيين (مبنى A ومبنى B)، حيث يتكون (مبنى A) من عدة طوابق (انظر الصورة رقم 2).
لم يبقَ منه الآن سوى الدور الأرضي، ويحيط بـ (المبنى B) بالفناء بشكل حرف (U) من الجهة الشرقية والغربية والشمالية، والجناحان الشرقي والغربي يحيط بالمبنى (A)، ويفص بينهما ممرين ضيقين هما المدخلان للساحة والقصر. (أنظر الصورة رقم3)
الرسم والزخرفة.
تأثر النحت والزخرفة للقصر بفنون الحضارات الأخرى والتي وجدت في التماثيل والقطع الأثرية التي كانت من البرونز أو الحجر العاج أو الزجاج إِلاَّ أنَّه وجد مهشمًا ومبعثرًا.
فالتمثال البرونز على شكل (يد إمرأه في حجم اليد الطبيعية تحمل شيئًا) كانت صناعتها بتأثير يوناني – روماني، بالإضافة إلى أجزاء متفرقة من تماثيل بشرية وحيوانية مثل صور أسد واثب، ووعل. (أنظر الشكل رقم 4 و5).
كما أن هناك رسوم لنساء شَبْوَه بلباسهن الشرقي وحُلِيّهن وتصفيف الشعر، وما وجدّ من منحوتات ورسوم جدارية تدلل من وجود فنانين من الإمبراطورية الرومانية الذين كانوا يعملون في المدن والقصور اليمنية، مما ظهر وبجلاءٍ تام من أنَّ الحضارة اليمنية أبعد عن الانغلاق عن الحضارات القديمة لتلك الفترة؛ بل كانت مفتوحة لتأثيرات خارجية أكثر من الوقت الحاضر، أدّت تلك التأثيرات في فترة مبكرة من تاريخ اليمن القديم بإنتاج إبتكار في الفن القديم فأصبَّح لا مثيل حقيقي له لا في حضارات البحر الأبيض المتوسط ولا في عالم الشرق القديم.
خليك معنا