الصباح اليمني_مساحة حرة|
الأرقام تتلاشى أمام الأعين، تختفي كأنها لم تكن. العالم يتحدث عن الإحصاءات والإحصاءات، عن أعداد الشهداء والجرحى، وكأنهم مجرد أرقام في جدول إحصائي.
لكن في الحقيقة، شهداء غزة ليسوا أرقامًا. لكلٍ منهم روحٌ تنفسَتْ الحياة بفرح وبهجة وسعادة، وحزنٍ وألمٍ ووجع. هم أرواحٌ، ضحكت، وبكت، خاضت تجاربَ حياتية وقصصًا عظيمة، وعاشت مفاصلًا تاريخية، كافحت، ناضلت، صبرت، وفازت بالآخر، ونالت الثواب والأجر.
الكثير يميل إلى تجاهل الأحداث الإنسانية الكبيرة ويُركز على الأرقام والإحصائيات بدلاً من أن يركز على قصص الأرواح التي عانت وراء تلك الأرقام. عندما نلتفت إلى لغة الأرقام، نفقد القدرة على التعاطف والتأمل في قصص الضحايا الحقيقية التي تكمن وراء الإحصاءات.
أشاهد المشاهد القاسية جدًا من قطاع غزة، وأشعر بالعجز والغضب والحزن. إنها لحظات ترتسم فيها الفظاعة على وجوه الأطفال والنساء والشيوخ. كيف يمكن أن تُعامل هذه المشاهد باستخفاف؟ كيف يمكن للعالم أن يتجاهل صرخات الأطفال المرعوبين ودموع الأمهات المفجوعات؟
نعم، نشاهد المشاهد القاسية جدًا من قطاع غزة، ولكننا لا نعتبر الضحايا مجرد أرقام. فهم أبناء وبنات، آباء وأمهات، أشقاء وأخوات. قد يتراصون في الإحصاءات وقوائم الضحايا، ولكنهم ليسوا أرقامًا، إنهم أكثر من ذلك، ويستحقون أن يُسمع صوتهم، أن تروى قصصهم، أن تتجاوز رؤيتنا الضيقة للأرقام ونلتقط أرواحهم ونفهم حياتهم التي عاشوها.
قرابة 19 ألف شهيد، هذا العدد الذي يفوق الخيال. كان لكل واحد منهم حكاية خاصة، ضحكة مفقودة، دمعة تنزف الألم، وعائلة تعاني الفراق، مع أمل يراوح مكانه في وجدانهم. لكل واحد منهم كانت هناك عائلة، وأصدقاء، وأحباء، وأحلام، وطموحات، وآمال وأماني. يحمل كل واحد منهم قصة حياة مليئة بالألم والأمل، بالمعاناة والكفاح والنضال والصمود. تعرضوا لجرائم القتل الوحشية، وللتشرد، وللتجويع والحصار المميت.
الآلاف من القصص، التي يجب أن تكون مغروسة فينا وراسخة في وجداننا، تحمل في طياتها الحزن والأمل، وذكريات تتلألأ في الذاكرة كلحظاتٍ مازالت تنبض بالحياة. إنهم شهداء غزة، هؤلاء الذين فقدناهم بسبب الاحتلال الصهيوني الذي لا يعرف الرحمة. وليس لهؤلاء الشهداء الحرف الأخير في القصة، بل إنهم جزءٌ لا يتجزأٌ من الروح الفلسطينية المقاومة.
أهل غزة ليسوا مجرد أرقام تُحصى وتُعدى في إحصاءات الموتى. هم أحبابنا، أخوتنا، أصدقاؤنا. هم جزء منا، ونحن جزء منهم. نصرتهم مسئوليتنا، ولا ينبغي أن نتوقف عن الحديث عنهم.
علينا ألا نعتاد هذه المشاهد، وألا نسمح لكل ما عاشوه أن يضيع بين الإحصاءات، لأنهم ليسوا مجرد أرقام تختفي في التقارير، بل هم قصص واقعية تستحق أن تُروى بكل ألوانها وأبعادها. ويجب أن نتذكر دائمًا أن كل رقم يمثل حياة، وخلف كل إحصاء يكمن قصة مؤلمة ومعاناة وأمل.
وعندما نشاهد الصور الصادمة ونسمع عن الكوارث الإنسانية، يجب أن نتذكر أن الضحايا ليسوا مجرد إحصاءات. إنهم أرواح وأحداث وأحلام تمزجها الحياة وتحوّلها إلى تجارب وأفعال. ينبغي أن ننظر إلى تلك الأحداث بمنظور إنساني قبل كل شيء، وأن نسلط الضوء على القصص والخلفيات التي تشكل النسيج الإنساني لتلك الأرقام.