ظروف معيشية صعبة لم تعد تخفى على احد ،هكذا هو حال المواطن اليمني ،بعد اكثر من عامين وأربعة أشهر من الحرب .. تلك الحرب التي قوضت كل معاني البقاء والاستقرار النفسي والمعيشي ،فاتسعت هوة البطالة ،وانتشر الفقر، فكان الموظف البسيط أبرز ضحايا تلك الحرب المسعورة، ضد اليمن واليمنيين.
الموظف الرسمي اليوم فقَدَ السند (الراتب)الذي كان ينتظر قدومه نهاية كل شهر لتسيير امور معيشته ومن يعول قد انقطع ،وخلال تفكيره ببديل يؤمن ابسط مقومات الحياة ،إذ يتفاجأ بكابوس اخر يطالبه بالدفع او الرحيل مع اهله الى المجهول ..
ومع انشغال اقطاب الصراع بحربهم المسعورة ،يستفرد المؤجر بالمستأجر المغلوب على امره(الا من رحم الله) ،حيث يعجز العديد من المستأجرين تسديد ما عليهم من إيجارات لأصحاب المنازل بعد توقف رواتبهم منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي ،والذي شهد قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء الى عدن، فضاعت حقوق الموظف في دهاليز الشرعية، لكن ذلك لم يشفع لهم امام اصحاب العقارات وملاك البيوت.
ولأهمية هذه القضية ،نزلنا الى الميدان لننقل معاناة الناس ونتقصى الحقيقة في التحقيق التالي :-
الموظف: نكابد للبقاء ونطالب بتقدير ظروفنا
وفي حين يكابد المواطن الامرين للبقاء على قيد الحياة في ظل هكذا وضع نجده مسكوناً بهاجس الطرد من المنزل لعدم قدرته على سداد الايجارات المتراكمة عليه منذ انقطاع راتبه .
المستأجر عبدالكريم الحميدي، يقطن في منطقة السنينة بأمانة العاصمة ،أوضح أنه وبالرغم من التعميم الذي أصدرته وزارة العدل بصنعاء وينص على مراعاة ظروف الموظفين الحكوميين المستأجرين ممن تأخر صرف رواتبهم، الا أن كثير من المؤجرين غير مبالين بهذا التعميم.
وأضاف ” صاحب المنزل الذي انا أسكن فيه طلب مني اخلاء المنزل بسبب تأخر الرواتب”.
في منطقة حزيز، أضطر المعلم محمد طه من الخروج من المنزل الذي كان يسكن فيه ، لأنه لم يستطيع دفع الإيجار بعد توقف راتبه الحكومي، وتدهور وضعه المعيشي.
يقول:” عرضت على المؤجر تخفيض الإيجار 30 ألف ريال يمني (ما يعادل 130 دولار) إلى النصف، لكنه رفض فاضطررت لبيع المقتنيات الثمينة في المنزل من اجل تسديد الإيجار والسفر إلى الريف في محافظة تعز والمعيشة هناك”.
وهو الوضع نفسه تعيشه اكثر الاسر اليمنية من ذوي الدخل المحدود لعدم قدرتهم على دفع ما عليهم من ايجارات بسبب انقطاع الرواتب حيث بدأ كثيرون بالانتقال مع أسرهم إلى المدن الريفية .
المؤجر: نحن أيضاً ضحية ونحتاج من ينصفنا
نقلنا هموم الموظف البسيط ،نحو الطرف الاخر في المعادلة لنسمع رده في الموضوع ،وهنا التقينا محمد عبدالله الشميري احد ملاك العقارات ،حيث أفاد انه قام بخفض الايجارات على المستأجرين لديه إلى النصف مشترطاً عليه أن يتم دفعها شهرياً دون تأخير.
بدوره رفض المؤجر احمد ناصر التعاون مع المستأجرين بحجة أن الشقق المؤجرة هي مصدر دخل اسرته الوحيد والمكونة من عشرة أفراد.
ويضيف قائلا” لو صبرت على المستأجرين من سوف يصبر علينا”.
وبهذا الشأن أشار وزير العدل القاضي أحمد عبدالله عقبات في تعميم للقضاة، إلى اهمية مراعاة ظروف هذه المرحلة الاستثنائية استنادا إلى نص المادة (211) من القانون المدني الصادر بالقرار الجمهوري رقم 14 لسنة 2002م، والتي تنص على ما لفظه” العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو لأسباب يقررها القانون الشرعي”، ومع ذلك اذا طرأت حوادث استثنائية عامة كحروب وكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي أصبح مستحيلا ،صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد .
واكد نجيب احمد ناصر الانسي، عاقل في حي الجامعة الجديدة منذ عام 2011، أن التعميم الذي تم إصداره من قبل وزارة العدل انتشر بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي ألا أن بعض المؤجرين لم يبالي بهذا التعميم ،ويتم الحكم بينه وبين المستأجر في المحكمة.
اقسام الشرطة: الصبر جميل
العقيد/ أحمد عبد الله الطاهري مدير قسم شرطة الجديري بأمانة العاصمة
يؤكد أنه” لا يحق لأي مؤجر ان يطرد المستأجر في ظل هذه الظروف الصعبة ويجب عليه الانتظار حتى يتم تسليم الرواتب الحكومية ولو بعد سنة و لا يحق له تشريد الاسر وطردها الى الشارع .”
ويضيف الطاهري بالقول”على المستأجر رفض اخلاء المنزل والتقدم ضد صاحب البيت بشكوى لدى اقرب قسم شرطة ليتم الزام صاحب البيت بعدم اخراج المستأجر والصبر عليه حتى تتحسن الاوضاع .”
الجدير بالذكر الى ان الحرب على اليمن منذ مارس/اذار 2015م، أدت الى تدهور المستوى المعيشي للسكان، وانعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء و الماء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية و النفطية، مما عمل على تفشي البطالة والفقر بين أوساط المجتمع، حيث أكدت تقارير أممية أن نحو 21 مليون يمني من إجمالي 27 مليوناً يعيشون حاليا تحت خط الفقر وبحاجة إلى مساعدات إغاثية.