ما كان لإسرائيل أن تستخفّ بمليار ونصف المليار مسلم تقريبا بهذه الطريقة ،لو لم تكن على ثقة تامة بأن هذه الأمة تعيش غيبوبة حضارية وفكرية وروحية وإيمانية طويلة وليس هناك من هو قادر على إيقاضها،في ظل غياب القدوة والقيادة والنخب التي تستطيع أن تُحرك الكتل الجماهيرية في هذه المراحلة الأضعف والأكثرذُلا وهوانا في تاريخها.
وبناء على ذلك قد يكون الإسرائيليون استطاعوا تقديم قراءة دقيقة للواقع، لأنه لو لم نكن ، أصلا بكل هذا التفكك والترخُّصوالتآمر على بعضنا البعض لما بالغوا في الإستهتار بنا والعبث بمقدساتنا بكل هذه الغطرسة..
ولولم نكن بهذا الضعف والهوان لماغدت قيادات عربية – أيضا – تحلم باليوم الذي تعلن فيه رسميا التطبيع والتحالف مع إسرائيل التي يبدو بأنها فهمت هذا الشعور وهوس التطبيع وأخذت توظفه في القيام بأكبر قدر ممكن من الإذلال وإحداث أكبر قدر – أيضا – من الإستيلاء على الأراضي العربية في الضفة، وصولاإلى أغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين الفلسطين الذين وحدهم اليوم من يحاول منح أمة ميتة حياة لا تسحقها ،وكرامة لم تعد من صفاتها، وعزّة لا تعنيها.
لذلك نقول بكل شفافية: هنيئا لكم يا أبطال فلسطين ،يا حرّاس الفضيلة، وفرسان العروبة وصُنّاع التاريخ والمعجزات،كل هذا المجد والعنفوان والتضحيات، فوحدكم من يجترح البطولات ويُدافع عن الشرف والحقّ والمقدسات.
ووحدكم من تعلون إرادتكم في الحرية لأنكم تنتمون إلى وطن وشعب مصمّمان على البقاء والتجدُّد والمقاومة ،بينما أشقاؤكممصممون على التناحر، والتزاحم على صياغة التقارير وجمع الملفات التي تُدينكم بالإرهاب،وتعطيهم مبررات لمحاصرة ونفيالشعوب المختلفين معها ومع نخبها.
للأسف الشديد ، نعترف بأننا كُلنا تنكّر لكلنا وأستعدينا كُلنا،وكُلّنا لا يجيد إلا التآمر ودق طبول الطائفية والأيديولوجية والتشدقباسم الدفاع عن فلسطين ،التي تخلّى عنها الجميع تقريبا،وربما أن أنسب توصيف لواقعنا اليوم هو قول الشاعر:
إني لأافتح عيني حين أفتحها
على كثير ولكن لا أرى أحدا
نضيف:
في تصورنا بأن الذي شجع نتنياهو للقيام بما يقوم به حاليا في الأقصى والضفة ، هو النتائج الباهرة لما يُسمى بثورات الربيع العربي،والصراع السني/ الشيعي ، الذي حول الصراع من صراع عربي إسلامي مع إسرائيل إلى صراع / عربي / عربي / إسلامي عنوانه ( سُنّه – شيعة) وهذا الأمرسبق وأن حذر منه الأستاذ محمدحسنين هيكل ، لكن من يسمع..
و بما أن الإسرائليين وحلفاءهم لا يفوتون فرصا كهذه ،فقد استغلوها على أكمل وجه،مدركين بأن أحدا لن يتحرك لنصرة الشعب الفلسطيني والدفاع عن المقدسات، ضف إلى ذلك أن الخليج المنطقة الوحيدة التي كانت شبه مستقرة قد غدت تعيش أزمة داخلية طاحنة ،وأزمات خارجية أشد واخطر مع إيران وغيرها،وهذا وغيره مكّن تل أبيب من العمل بكل أريحية لتعميق التباينات والتصدعات ومضاعفة مكاسبها لحفظ تفوقها وتبديد طاقات الدول المحيطة بها وتفكيكها إثنيا واجتماعيا
وسياسيا،وما نشاهده اليوم ما هو إلا بداية للشكل الأول من أشكال المنحنيات المتصاعدة وإختلال موازين القيم والسلوك والمبادىء التي جعلت المنطقة ” ملطشة “، تُعاني من كل العلل ،ليس أقلها التوهان والضبابية وفقدان البوصلة وغريزة الإستقرار وقيم التضامن، إلى جانب العجز الكامل عن إغلاق صفحات الماضي الذي تُلاحقنا أشباحاه ومأسيه في كل مكان .
ختاما ، ورغم كل ما نعيشه من يأس، وإحباط إلا أن البعض كان يتوقع خروج الملايين من الجماهير الغاضبة في العواصم وكبريات المدن في العالمين العربي والإسلامي رفضا لما يجري في القدس على يد الإحتلال الإسرائيلي ، لكن هذا لم يحدث ،لكن هذا لم يحدث..
وكان البعض من أصحاب مساحات الأمل والصدور الواسعة – أيضا – يتوقع أن تدعو الأمانتان في الجامعة العربية والمؤتمرالإسلامي لعقد اجتمعات طارئة على مستوى وزراء الخارجية، لكن هذا – والحمد لله – لم يحدث بعد.
وكان البعض نتوقع أن تقوم المجموعة العربية والإسلامية في الأمم المتحدة بالدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن تناقش فيها الإنتهاكات وما يجري في القدس ، لكن أنت تُريد وأنا أريد والله يفعل ما يُريد .