الصباح اليمني_مساحة حرة|
من نافلة القول أنَّ الله -تعالى- قد منح مَنِ اصطفاه للاضطلاع بمهمة تبليغ رسالة الإسلام إلى عموم الأنام أحسن ما في البرية من الصفات الخلقية والخلقية.
ومن هذا المنطلق فإن مولد سيدنا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمدٍ -صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم- وبعثته من الله -عزَّ وجلَّ- بالدين الأكمل والخاتم هما من أجلِِّ وأعظم النعم، بل إنهما النعمة الأهم والأعم لكل الأمم، ﻷنه -عليه صلاة الله ما هبت الصبا- نال من المولى -جلَّ وعلا- من الحفاوة والتفرُّد والتفضيل والاصطفاء على جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين ما جعل فائدته ونفعهُ يعمَّان أبناء البشرية أجمعين الذين اعتبِرت بعثته إليهم رحمةً من الله بهم وحنوًّا منه -جل شأنه- عليهم، ومصداق ذلك قول الحق -تبارك وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) سورة الأنبياء الآية رقم: (107)، فضلا عن أن بعثته -عليه أفضل الصلاة والسلام- التي اختصت بعناية ربانية بتلك الحقبة الزمنية قد طوت صفحة الحقبة الشركية الوثنية التي كادت أن تمحو من جزيرة العرب ما تركه الأنبياء قبله من مفاهيم دينية، فجاءت بعثته إحياء لها وهيمنة عليها، لقول الله -جل جلاله وتباركت أسماؤه-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) سورة الصف الآية رقم: (9).
وبالاستناد إلى ما تقدَّم، فإن مولد الرحمة المهداة والنعمة المسداة -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه- وإسناد أشمل مهام هداية البشرية إليه تُكسِب مناسبة مولده الشريف طابع العمومية الأممية والعالمية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مهمة تعريف وتوعية كافة أبناء البشرية بقيمة هذه المناسبة العظيمة ولفت انتباههم إلى ما لها من بالغ الأهمية تقع -بصورة حصرية وبدرجة أساسية- على عاتق أبناء الأمتين العربية والإسلامية، باعتبارهم -بالنظر إلى كونهم وارثي آخر وأكمل وأخلد رسالة- مكلفين -تكليف كفاية وتكليف عين- بإنقاذ أبناء سائر الأمم من الضلالة وإخراجهم -كما قال الصحابي الجليل “ربعي بن عامر”- (من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).
ولا يمكن لهم الاضطلاع بهذا العبء الدعوي التبليغي كما ينبغي، ما لم يصبحوا قدوة حسنة في انضباط السلوك وحسن المعاملة المتسمة -بصفة دائمة- بالمصداقية والحميمية الخالية خلوًّا تامًّا من مظاهر التصنُّع والمجاملة.
فضيلة الاحتفاء بمولد المصطفى:
إن ما نقوم به في يمننا الميمون من جهد رسمي وشعبي سنوي لإحياء ذكرى المولد النبوي بما يرافقه من مظاهر احتفائية ومن تحشد الجماهير في الكثير من الساحات والميادين لهو جهد محمود يسهم في تعزيز مكانة الحبيب محمد في نفوس الناس بشكل متنامٍ ومتجدد إلى الحد الذي يمكن أن يأخذ طابع التأبُّد هذا من ناحية، ويسهم في تأهيل أبناء المجتمع -جيلا بعد جيل- للذود عنه -صلوات ربي وسلامه عليه- والتصدي بكل بسالةٍ وحزم لكل من يحاولون النيل منه والإساءة إليه والتجني عليه من ناحية ثانية.
وبالرغم من ضرورة حصول المساهمة المجتمعية الجماعية في أحياء هذه الفعالية الدينية المحببة إلى النفوس بحيث يكون للمواطن المقتدر جهد تمويلي ملموس، فلا ينبغي -لا من قريب ولا من بعيد- اللجوء -في سبيل تحصيل أو انتزاع أعلى سقف من الإسهام المجتمعي- إلى أي من أساليب الإكراه والترهيب، بل يتوجب -لتحقيق تلك الغاية- اتباع أفضل طرق الترغيب، لما من شأنه المزيد من ترسيخ محبة الحبيب المصطفى في قلوب عامة المسلمين وخاصتهم على السواء، لا سيما الأغنياء الذين لا يلبثون -إذا جيءَ لهم بالحسنى- ان يضاعفوا العطاء بما لا يخطر على بال من الجود والسخاء.
تسخير الاحتفاء لغاية الاقتداء:
مما يحسن التركيز عليه والتنويه إليه أن تكريس جل تلك الجهود الطيبة في إبراز الجانب الشكلي للمناسبة بما يجعل لها الأولوية على الجهود التوعوية التي من شأنها إبراز أهم الجوانب إشراقًا في شخصية النبي الأكرم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- المتمثلة في حميد خصاله وعظمة مناقبه يجعل تلكم الجهود محدودة المردود.
وما أجدرنا بالعمل دون كلل أو ملل على استثمار هذه المناسبة الموسمية العظيمة لغرس ما تفردت به شخصية الرسول الأعظم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من خصال حميدة وما رفد به -بسمو أخلاقه وفرادة مناقبه- الإنسانية قاطبة من قيم سلوكية ومعاملاتية جديدة من شأن التحلي بها والأخذ بأسبابها الارتقاء بأبناء البشرية جمعاء من ضيق البؤس والشقاء إلى رحاب حياة دنيوية سعيدة، فالسعادة في فلسفته -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تكمن -بعد تقوى الله جلَّ في علاه- في نقاء السرائر والطوايا وفي إخلاص النوايا وفي حسن الظن وفي ما يسود الواقع الدنيوي للناس في السر والعلن من تعامل بيني حسن، فقد أجمل ذلك كله في قوله -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه -: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» رواه الترمذي، وصححه الألباني.