|بقلم:بلقيس محمد علوان|
أيام دامية، حزينة، وقلقة، تسبق عيد الأضحی: مجزرة في صعدة المدينة التي عندما يحل السلام – وحتما سيحل – ستقول لنا الكثير عن مآسيها وقتلاها وجراحات السنين، ومجزرة ثانية في أرحب ضحاياها شباب وأطفال بعضهم أكمل اختبارات الثانوية العامة منذ أيام، العشرات في لوكندة بسيطة، يطلق عليهم «المبزغين» ويقصد بهم قاطفي القات، يبيتون في اللوكندة حتی مطلع الفجر، يبدؤون بعدها قطف القات ثم الانتشار في أسواق صنعاء لبيعه، لم يطلع عليهم فجر ذلك اليوم، فقد قطفوا جميعاً قتلی وجرحی.
ومجزرة ثالثة في فج عطان؛ عمارة سكنية قصفت عند الفجر وسوت باﻷرض علی ساكنيها، وستفيق بثينة الريمي من أوجاع جسدها الممهور بجروح القصف لتقضي ما تبقی لها من حياة بلا أب وبلا أم وبلا إخوة، ولربما في أيام قادمة تردد بعضاً من رائعة مطهر الإرياني بلسان شخصية قصيدة البالة: «وماتوا أهلي ومن حظ النكد عشت أنا»، الفرق أن بطل قصة القصيدة مات أهله بوباء حصد ما حصد من الأرواح، لكن أرواح أهل بثينة حصدت بقصف مجنون وهي نائمة.
مجزرة رابعة في بير باشا بتعز، وأنا أكتب الآن تتوالی أخبار تصاعد عدد قتلاها، أطفال ونساء ورجال تحولوا إلی أشلاء، كل هذه المجازر خلال أسبوع، والجميع مدنيون.
تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي نكات خراف العيد وصور الأضحيات، وآداب الأضحية وشروطها، ولمن ينوي الأضحية: آخر موعد لقص الشعر والأظافر، وذكر بها غيرك، وكأننا في اليمن وقد جهز كل رب أسرة أضحيته في حوش منزله العامر بما لذ وطاب، بينما في الحقيقة أغلب البيوت خاوية وآلاف البطون خاوية، ومن الناس من نسي اللحوم ورائحتها ومذاقها، والسواد الأعظم من الأطفال سيلبسون ما لبسوه في العيد الماضي، وأحسنهم حظاً وهم قلة من اشتری له أهله للعيد ملابس جديدة بما هو متاح.
عادة حالة الأسواق تنبئك بجاهزية الناس للعيد، لكن المتنقل بين الأسواق سيجد المحلات التجارية والمولات والأسواق الشعبية هادئة لدرجة ينكر معها أننا علی أعتاب عيد. الباعة محبطون من قلة الشراء وتراكم الإيجارات ووقف الحال، والمشترون يكتفون بالنظر والتذمر من الأسعار، وأغلبهم عاجز عن شراء مرتفع السعر أو منخفض السعر.
الكل متوجس خيفة وفي حالة قلق وترقب من انفجار الوضع في صنعاء بين «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام». صنعاء التي يقدر سكانها بأكثر من مليوني نسمة ومئات الآلاف من النازحين.
كان «المؤتمر» قد نظم حشداً مليونياً في ميدان السبعين احتفاء بالذكری الخامسة والثلاثين لتأسيسة، كثيرون رأوا أن وراء الحشد ما وراءه من رسائل للداخل والخارج تقول للجميع: «من هو! وكم هو «المؤتمر»!»، وظهر علي عبد الله صالح علی منصة السبعين في خطاب مقتضب قرأه البعض بأنه مخيب للآمال، وآخرون اعتبروه خطاب سلام، ولكنه سلام الأقوياء القادرين، وهناك من قال إنه لم يقل شيئاً، وفي الحقيقة جميع القراءات ليست أكثر من قراءات حسب الرغبة، تماماً كما نضيف السكر أو الملح إلی مأكولاتنا حسب التفضيل، تزامن حشد السبعين مع تجمعات احتفالية وخطابية لـ«أنصار الله» في عدة مناطق من صنعاء، هاجم واتهم فيها المتحدثون صالح صراحة بالتقاعس والخيانة، وكان الطرفان تبادلا إعلامياً الاتهمامات والمناكفات وتصاعد الاحتقان بين الأتباع هنا وهناك، لتبدأ أحداث جولة المصباحي حيث تبادل أفراد من الطرفين إطلاق النار، وأغلقت مداخل المربع السكني لساعات، وبدأت الحرب فعلاً علی وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الأخبار، إلی الحد الذي توقع معه اندلاع حرب شوارع لن تبق ولن تذر.
وبدأت مخاوف السكان وأقاربهم من المدن الأخری، بل ونصحهم بالمغادرة قبل ألا يستطيعون المغادرة. وبالطبع تباينت المواقف من هذه الأخبار، فهناك من عبر صراحة عن فرحة ليذوق ساكنو صنعاء ما ذاقه ساكنو عدن وتعز، وكأن صنعاء في معزل عما حدث ويحدث ولم تنل نصيبها من الخراب والدماء والدموع، وهناك من أظهر شيئاً من النبل وقال: لا نحب أن يحدث لصنعاء ما حدث لمدينتنا، وحلل المقيمون خارج اليمن بأن الوضع يفصح عن خلافات حادة سيعقبها الانفصال بين الشريكين بشكل دموي، وتوقع فيصل القاسم في تغريدة حمام دم لم يسبق له مثيل، لكن الله سيخيب ظنه وتوقعه.
وهناك من قال: لم أتفق مع صالح طوال عمري لكن اليوم سأقف إلی جواره ضد الطائفية والسلالية، ومنهم من صرح بقوله: فخار ويكسر بعضه، ومع ذلك سمعنا قليلاً من رسائل التطمين بأن الوضع في صنعاء إلی خير.
موظفو القطاع الحكومي، مدنيين وعسكريين، في المحافظات خارج سلطة حكومة بن دغر يترقبون نصف راتب وعد به وزير مالية حكومة بن حبتور قبل العيد، وبالمناسبة تحل مع نهاية شهر أغسطس الذكری السنوية الأولی لانقطاع الرواتب علی مواطني هذه المحافظات.
يقترب العيد منا ونبتعد عنه بين مآسي مجازر تحصد أرواحنا، وفاقة تسحق آدميتنا، وخوف من حدوث الأسوأ والأشد إيلاماً، وسط لا مبالاة محلية ودولية وإقليمية تقول بلسان اليمنيين: في حضرة العيد نحن الأضحية!
خليك معنا