كشفت «المكرمة السعودية» التي وجه بصرفها الملك سلمان لـ«الجيش الوطني» التابع لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، عن ثقب فساد أسود وجيش جرار في الكشوفات المقدمة من رئاسة الأركان وقيادة المناطق العسكرية، والتي ضمت 400 ألف ضابط وجندي. الناشط في صف القوات «الشرعية»، ناجي الحنشي، قال لـ«العربي»: «لو كان هذا الجيش قوة فعلية ومتواجدة في الميدان، لاجتاح الجزيرة العربية ووصل بلاد السند والهند في أيام معدودات، ولكن الأمر غير ذلك».
في الخامس من فبراير الحالي، وصلت إلى القصر الجمهوري في مأرب، ثلاث لجان عسكرية سعودية لصرف «مكرمة الملك سلمان». تسلمت الكشوفات من رئاسة الأركان، وباشرت عملية الصرف في مأرب والجوف وشبوة. 1200 ريال سعودي للجندي، ويرتفع المبلغ بحسب الرتبة ليتسلم العميد في قوات هادي 3800 ريال سعودي.
اشترطت اللجان السعودية في البداية تسليم «المكرمة» يداً بيد، وهنا كانت المفاجأة والصدمة للضباط السعوديين. غالبية الجيش الوطني لا يحملون بطائق عسكرية. لقد تداعى الجيش الجرار من المنازل في عمران وحجة والمحويت وذمار وريمة وتعز وصنعاء إلى مدينة مأرب، التي شهدت زحاماً خانقاً في المطاعم والفنادق والحركة المرورية، وارتفع إيجار الغرفة الفندقية ما دون النجمة إلى 12 ألف ريال لليلة الواحدة.
حاصر سائقي باصات وسيارات الأجرة وعمال البناء والمطاعم والبوفيهات والمدرسين والمجندين في المنازل، مقرات لجان صرف «المكرمة»، فجميعهم «جيش وطني» وأسماءهم في الكشوفات ضباط وجنود وتصرف مرتباتهم من السعودية بالريال اليمني منذ مارس العام 2015 إلى أبريل العام 2017. برر قادة الألوية والوحدات العسكرية عدم إكمال ترقيم «الجيش الوطني» بإنشغاله بالمعارك ضد «أنصار الله». فاشترطت اللجنة إبراز كل ضابط وجندي للبطاقة الشخصية، أو جواز السفر، وواصلت عملية الصرف. ولكن الزحام يزداد، ويفسره القادة العسكريون بفقدان معظم منتسبي الجيش الوطني لبطائقهم ووثائق إثبات هوياتهم بسبب فوضى الحرب، ومرابطتهم في الخطوط الأمامية للمواجهات، ليتوصلوا مع اللجان السعودية إلى القبول بصرف «المكرمة» ببطائق تعريفية تعمد بختم الألوية العسكرية بعدها ظهر فساد الثقب الأسود.
المقدشي وخصروف
اشتغلت معامل التصوير في مدينتي مأرب والجوف، وأظهر نظام مطابقة الصورة والبصمة والأسماء أكثر من 100 ألف ضابط وجندي، أسمائهم توزعت بين إزدواج الإسم أو الصورة أو البصمة، وتبين للجان السعودية أن المئات من الضباط والجنود مسلجين في أكثر من لواء ودائرة ووحدة عسكرية، وأن مئات آخرين تطابقت صورهم وأختلفت أسمائهم وتسلموا «المكرمة» عدة مرات. وبحسب مصادر في رئاسة الأركان في مأرب، فإن مستشار الرئيس هادي، اللواء محمد علي المقدشي، تسلم «مكرمة» 15 ألف ضابط وجندي بكشوفات وهمية، وبواسطة عمال مطاعم وبناء وسائقين، مقابل نسب معينة من كل «مكرمة»، وعبر وكلاء للواء المقدشي.
وأضافت المصادر أن «مشائخ قبليين موالين للرياض، تسلموا «المكرمة» بتوجيهات خطية من قائد القوات السعودية في مأرب، كقادة لكتائب وألوية عسكرية لا وجود لها سوى في الكشوفات. أوقفت اللجان السعودية صرف «المكرمة»، وغادرت مأرب والجوف وشبوة، في الـ 18 من فبراير الحالي إلى الرياض غاضبة، ولم تكمل عملية الصرف لتطلب لقاء ولي العهد السعودي، وزير الدفاع محمد بن سلمان. وتؤكد مصادر لـ«العربي»، أن «مسؤولي لجان صرف المكرمة، أبلغا ابن سلمان بأنهم لم يجدوا جيشاً يمنياً، بل متسولين وعاطلين من دون هندام ولا بطائق، وبأسماء ثبت تكرار المئات منها في أكثر من لواء ومنطقة». مصدر في دائرة الموارد البشرية التابعة لرئاسة الأركان في مأرب قال لـ«العربي»، إن «العديد من القادة العسكريين كانوا يطلبون من الأفراد تسليم صور شخصية لهم لإرفاقها في كروت تعريف لأسماء آخرين، ووضع الختومات عليها، والذهاب بها إلى لجان الصرف لتسلم المكرمة مقابل مبلغ منها»، مضيفاً أن «مدير دائرة التوجيه المعنوي، اللواء محسن خصروف، قدم كشوفات تضم 500 إسماً وهمياً، وأن الأسماء الحقيقية في دائرة التوجيه، معظمها لمعلمين يتنمون إلى حزب الإصلاح، ويعملون في قنوات بلقيس، ويمن شباب، وسهيل، والمواقع الإلكترونية التابعة للحزب، وهم في السجل الوظيفي معلمين، وفي سجلات التوجيه المعنوي جنود وضباط».
حتى الموتى
لقد وصل فساد القادة العسكريين التابعين لحكومة الرئيس هادي، إلى الاستحواذ على نصيب الضباط والجنود الذين قتلوا في معارك «التحالف» ضد «أنصار الله»، فهذه جمعية شهداء محافظة شبوة، قالت في بيان حصل «العربي» على نسخة منه، إن «المكرمة المقدمة من الملك سلمان لشهداء شبوة، وعددهم 380 شهيداً، بلغت 150 مليون ريال سعودي، واستلمها متنفذون في قيادة المنطقة الثالثة في مأرب، التي سبق وأن أعلنت أنها ستوزع مبلغ 5000 ريال سعودي لكل أسرة شهيد، كما أن شهداء شبوة لم يستلموا مبلغ الـ 10 آلاف ريال سعودي، مراسيم الدفن (سعر الكفن)، والتي قد زمتها المنطقة العسكرية الثالثة إلى ٥٠٠ ألف ريال يمني».
الجيش الورقي
12 لواءً عسكرياً تابعاً لحكومة هادي في جبهة نهم، هي في حقيقتها كتائب عسكرية لا يتجاوز منتسبيها 2000 ضابط وجندي، فيما عددهم في الكشوفات يتجاوز الـ 40 ألفاً، واللواء 141 التابع لهاشم الأحمر، هو كتيبة تحصيل النقود من السائقين والمسافرين في منفذ الوديعة، وقوات الإحتياط التي عين قائداً لها اللواء علي صالح الأحمر، الأسبوع الماضي، هي كتيبتين من قدامى الحرس الجمهوري سابقاً، تجاوزوا الأجلين للتقاعد، ولواء المدفعية لا وجود له على الأرض اليمنية، لكن العميد فهد محمد ناجي الشايف، البالغ من العمر 22 عاماً، يتسلم إعتماده مع المرتبات المالية لعدد 2500 ضابط وجندي منذ العام 2015.
هذا الجيش الورقي، أنفقت عليه السعودية ولا تزال، المليارات، وحقق إنجازات تتجلى في مدينة مأرب، بمشاريع تجارية وإستثمارية وفلل وعمارات سكنية، ليس حي الروضة المستحدث خلال سنوات الحرب الثلاث، والذي تجاوزت منازله منازل مدينة مأرب القديمة، إلا واحداً من شواهد الزحف العمراني لـ«الجيش الوطني» في جبهات مأرب الأربع.
العرب ـ فايز الاشول
خليك معنا